تلاميذ مغاربة
تلاميذ مغاربة - أرشيف

187 ألفا و138 ممدرسا، اجتازوا الدورة العادية لامتحانات الباكلوريا بنجاح، خلال السنة الجارية في المغرب، جزء منهم ينتمي إلى المدرسة العمومية والجزء الآخر ينتمي إلى المدرسة الخاصة.

ماذا بعد الباكلوريا؟ سؤال يطرحه الكثير من التلاميذ والأسر في هذه المرحلة، وهنا تختلف الإجابة إذ تتوقف لدى البعض على مدى تفوق التلميذ والمعدل الذي حصل عليه، بينما تتوقف لدى آخرين على طبيعة النظام الذي تابع فيه ذلك التلميذ دراسته.

انطلاقا مما سبق تطرح مجموعة من التساؤلات، من قبيل: هل مستقبل التلميذ رهين بتفوقه الدراسي فقط أم بطبيعة النظام الذي تلقى تعليمه فيه؟ هل الفرص المتاحة على مستوى الدراسة العليا والعمل لتلاميذ النظامين، الخاص والعام، متكافئة أم لا؟ ثم هل مازالت المدرسة العمومية تساهم في الترقي الاجتماعي؟

​​مدرسة منتجة للفوارق!

حسب تقرير صادر عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، تحت عنوان "مدرسة العدالة الاجتماعية، مساهمة في التفكير حول النموذج التنموي"، فإن المدرسة العمومية المغربية تخضع لـ"تأثيرات الفوارق الاجتماعية".

ويرصد التقرير تأثير الظروف الاجتماعية والاقتصادية للأسر في المسار الدراسي للأبناء، إذ يؤكد على أن "أوجه العجز الاجتماعي التي تتجلى في الفقر وهشاشة الأسر وأمية الآباء والأمهات والصعوبات التي يجدونها في تتبع دراسة أبنائهم، تؤثر بشكل سلبي في عملية التعلم داخل المدرسة".

المصدر نفسه يتطرق إلى الفوارق بين النظامين العمومي والخصوصي، إذ يوضح بأن "تراجع جودة المدرسة العمومية نتج عنه ظهور تصور إيجابي للمدرسة الخصوصية والتحمس لها".

وهنا يسجل المصدر كون التعليم الخصوصي "يشكل، أيضا، علامة تمايز اجتماعي، تميز بين الذين يستطيعون أن يمنحوا لأبنائهم مدرسة مؤدى عنها، وأفضل من غيرها، والذين لا يقدرون على ذلك".

انطلاقا من ذلك فإن "المدرسة التي كان يرجى منها تعزيز الارتقاء الاجتماعي للفرد، أصبحت منتجة للفوارق"، وذلك "من خلال توفيرها لتربية غير دامجة وغير عادلة".

​​التفوق غير كاف!

تبعا لتلك المعطيات، فإن عضو المجلس، نور الدين عيوش، لا يرى أن المدرسة العمومية تساهم في الترقي الاجتماعي، كما يضيف متأسفا أنها "لم تعد تلعب الدور الذي كانت تلعبه قبل سنوات".

ويتابع عيوش تصريحه لـ"أصوات مغاربية" مؤكدا على "فشل" المدرسة العمومية، مشيرا إلى أن الكثير من الأسر رغم محدودية دخلها صارت تحرص على تدريس أبنائها في المدارس الخاصة، لعدم ثقتها في المدرسة العمومية، ورغبة منها في تأمين مستقبل أفضل لهم.

ووفقا للمتحدث نفسه، فإن التفوق الدراسي، ليس عاملا كافيا لضمان فرص أفضل على مستوى التعليم العالي أو على مستوى سوق الشغل، حين يتعلق الأمر بخريج مدرسة عمومية، ويفسر هذا الأمر بطبيعة التكوين الذي توفره تلك الأخيرة، والذي لا يمكن، حسبه، التلميذ، من مؤهلات أساسية وضرورية.

"للأسف هم لا يتقنون اللغات، سواء الفرنسية أو الإنجليزية أو الإسبانية ولا حتى العربية" يقول عيوش، مضيفا أن أسلوب التعليم في المدرسة العمومية لا يمكن التلميذ من الإبداع والانفتاح، إذ يعتمدون، وفقه، "الضرب، والحفظ دون فهم".

​​توحيد مناهج النظامين

من جانبه، يشدد رئيس جمعية منتدى الطفولة، عبد العالي الرامي، على أهمية التفوق الدراسي، وهنا يرفض ربط التفوق بالتعليم الخاص فـ"المدرسة العمومية لطالما كانت متفوقة وتلاميذها يحققون أعلى المعدلات".

ويتابع الفاعل الجمعوي المغربي تصريحه لـ"أصوات مغاربية"، مؤكدا على أن "المدرسة العمومية أخرجت خيرة أطر الوطن ومازلنا نراهن عليها" داعيا إلى الاهتمام بها وتحفيز أطرها.

مع ذلك، وبالرغم من إشادته بالمدرسة العمومية على خلاف عيوش، يلتقي المتحدث، مع فكرة طرحها المتحدث السالف علاقة بالمؤهلات التي يتم تمكين التلميذ منها، والتي قد تختلف بين المدرسة العمومية والخاصة.

فالرامي، بدوره يشدد على "إشكالية إتقان اللغات"، إذ يشير إلى أن التعليم الخاص يركز بالدرجة الأولى على اللغات الأجنبية وتحديدا اللغة الفرنسية، على حساب العربية، وذلك خلافا للتعليم العمومي، وهي الإشكالية، التي يقترح لتجاوزها "توحيد المناهج"، إذ يؤكد على "ضرورة أن تكون المناهج بين النظامين موحدة، حتى لا تبقى هناك فوارق في التكوين والتأهيل".

​​وسيلة للترقي الاجتماعي

بدوره، يرى الكاتب والباحث بالمركز العلمي العربي للأبحاث والدراسات الإنسانية، رشيد أوراز، أن اختيار التوجه إلى المدرسة العمومية أو الخاصة مسألة تتحكم فيها عوامل عديدة من بينها القدرة المادية للأسرة، وإن كان يلفت هنا إلى أنه حتى من لا تسمح قدرتهم بتدريس أبنائهم في مدرسة خاصة قد يلجؤون إلى الاقتراض لذلك الغرض.

"المدرسة العمومية تخرج كفاءات" يقول أوراز، غير أنه وفي الوقت نفسه، يرى أن القدرات التنافسية لخريجي هذه المدرسة في سوق الشغل، وخاصة في القطاع الخاص، قد تكون شيئا ما محدودة، مقارنة بخريجي المدرسة الخاصة، وذلك لتمكن هؤلاء من عدد من المؤهلات بشكل أفضل.

ورغم أنه يتفق مع الفكرة التي وردت في تقرير المجلس حول إنتاج المدرسة للفوارق مع توضيحه أنها أيضا "تتحمل الفوارق الموجودة والتي خلفتها الظروف الاقتصادية للبلد"، إلا أن أوراز يشدد في الوقت نفسه على أن المدرسة، سواء عمومية أو خاصة، تبقى هي الوسيلة "الوحيدة" للترقي الاجتماعي في المغرب، بينما "حظوظ الانفلات من الفقر والبؤس لمن ضيع فرصة المدرسة والتفوق ضئيلة جدا".

​​المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة