سبع سنوات تقريبا مرت على إقرار الدستور المغربي الجديد الذي يعترف بالأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، وما يزال البرلمان لم يقر القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي لهذه اللغة.
وبينما بدأ العد العكسي لإصدار هذا القانون، خرج المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات ليعبر عن موقفه من مشروع القانون المذكور.
ومما ورد في بيان المرصد بهذا الخصوص تعبيره عن أسفه "لكون بعض البرلمانيين من التيار المناوئ للتنوع الثقافي واللغوي الوطني ما زال يحتفظ بمواقفه القديمة المعادية للأمازيغية"، كما أكد "قصور" النقاش بشأن هذا الموضوع "عن بلوغ مستوى ما ينص عليه دستور البلاد منذ 2011".
تفاصيل أكثر بخصوص المؤاخذات على مشروع القانون هذا، سبب تأخره، وضعية الأمازيغية في المغرب بعد سبع سنوات على ترسيمها، ومواضيع أخرى، نناقشها مع رئيس المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات، أحمد عصيد.
إليكم نص المقابلة
بعد نحو سبع سنوات على ترسيم الأمازيغية في الدستور، ما يزال القانون التنظيمي الذي يفعل طابعها الرسمي حبيس البرلمان، ما هو في نظركم سبب هذا التأخير؟
السبب الرئيسي أن الحكومة السابقة التي ترأسها السيد عبد الإله ابن كيران لم تكن تعتبر هذا الموضوع من ضمن الأولويات، ولهذا فقد كان هذا آخر قانون يوضع في البرلمان، وذلك يوم الخميس 6 أكتوبر أي يوما واحدا قبل الانتخابات.
وهذا مخالف للبرنامج التشريعي للحكومة، لأن البرنامج التشريعي كان يضع ذلك القانون في الرتبة الرابعة من بين 18 أو 19 قانونا تنظيميا، فإذا به لم ينظر إليه إلا في الأخير، وهذا يدل على أن المسألة الثقافية عموما وموضوع الأمازيغية خصوصا لا يشكل جزءا من أولويات الحكومة.
من جهة أخرى، لا ننسى تواجد حزب محافظ في رئاسة الحكومة والذي ما يزال لديه إشكال مع التنوع الثقافي واللغوي ولا يقبله، ولم يتمكن من تجديد فكره وأيديولوجيته لتواكب تطور النقاش العمومي في البلاد ولم يستطيع أيضا أن يلتحق بالدستور، لأنه كان يرفض في الأصل التنصيص على الأمازيغية في الدستور سواء كلغة رسمية أو غير ذلك، ولهذا لم يكن منتظرا أن يبذل مجهودا من أجل تفعيل الدستور لأنه غير متفق مع مضمونه، ومن هنا جاء هذا البرود.
المعضلة الأخرى أنه حين أُعد مشروع القانون أُعد دون شراكة مع الخبراء والأخصائيين في الشأن الأمازيغي، ولهذا خرج هذا القانون مليئا بالأخطاء والمعطيات غير الصحيحة.
هذا عن الوضع في عهد الحكومة الأولى بعد ترسيم الأمازيغية، ماذا عن الحكومة الحالية؟
حين جاءت حكومة السيد سعد الدين العثماني بدأ النقاش، وبدأ متأخرا ومتعثرا وبطريقة سلبية نوعا ما، ذلك أن عددا من البرلمانيين سواء ممن ينتمون إلى حزب العدالة والتنمية أو لأحزاب أخرى غير مستوعبين لمعنى ترسيم الأمازيغية أصلا، لأن لديهم مواقف رافضة مسبقا، ولذلك استمروا في الحديث عن الأمازيغية بالشكل القديم، أي ما قبل الترسيم، بمعنى أنهم يخططون لقانون تنظيمي دون مستوى اللغة الرسمية وهذا شيء لا يمكن أن يكون مقبولا لأنه مخالف للدستور.
فالدستور يتحدث عن قانون تنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، وهم حاليا يحضرون لقانون تنظيمي لا يتعلق باللغة الرسمية بل فقط بلغة ثانية هامشية، وهذا يدل على أن لدينا تنظيمات وأحزاب متخلفة أيديولوجيا عن مضمون الدستور.
من جانب آخر، ظهر أن هناك استبعادا لفكرة المساواة التي نعتبرها أساسية، فاللغتان الرسميتان الأمازيغية والعربية متساويتان والتدابير التي ستفعل في إحداهما يجب أن تفعل في الأخرى، ولكن العديد من البرلمانيين لا يتجهون في هذا الاتجاه، ولهذا اضطررنا إلى دق ناقوس الخطر للتنبيه إلى أنه إذا خرج قانون يكرس الميز ضد الأمازيغية فسنرفضه وسندفع بعدم دستوريته.
تتحدثون في البيان الصادر عن المرصد عن "تيار مناوئ للتنوع الثقافي واللغوي"، هل تقصدون حزب العدالة والتنمية؟
نعم، إلى جانب حزب الاستقلال، ولكننا نلوم أيضا الأحزاب الأخرى الحليفة لنا لأنها لا تقوم باللازم.
فمثلا حزب التقدم والاشتراكية، الذي هو حليف تاريخي للحركة الأمازيغية وهو عضو في الحكومة، لم يقم بواجبه من أجل ضمان قانون تنظيمي منصف، كذلك حزب الحركة الشعبية وحزب التجمع الوطني للأحرار، هذه الأحزاب ليس لديها مشكل مع الأمازيغية بل لطالما كانت تدافع معنا عن الأمازيغية، ولكن الآن وهي في الحكومة لا تقوم بواجبها للحفاظ على التوازن ضد الأحزاب الأخرى المحافظة.
ماذا عن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، ألم يخدم من موقعه القضية الأمازيغية؟
مواقفه سليمة وإيجابية وواجبه كرئيس حكومة هو الدفع في اتجاه استصدار قانون منصف، ولكن حزبه الذي هو أغلبي ليست لديه نفس مواقفه، هذا هو المشكل، مواقف العثماني ليست نفسها مواقف حزبه.
قبل مدة كان هناك نقاش حول اللغة المستعملة في الإدارات والمؤسسات العمومية، إذ طالب المدافعون عن اللغة العربية باستعمالها ومنع الفرنسية، ما موقفكم من هذا النقاش؟
لا معنى لذلك، لأنه مخالف للدستور، فحين تدافع عن العربية وتتجاهل أن هناك لغتان رسميتان فإن هذا مخالف للدستور، لم يعد ممكنا لأحد أن يقول بتعريب الإدارة مثلا وهو يعلم أن الدستور فيه لغتان رسميتان.
الصواب هنا أن نبدأ بالحديث عن تفعيل اللغتين الرسميتين في الإدارات والمحاكم وفي كل المرافق، من سيتحدث عن لغة الدولة يجب أن يتحدث عن لغتين وليس لغة واحدة.
والحديث عن لغة واحدة وتجاهل أخرى يظهر للأسف أن هناك من لم يغيروا موقفهم، فرغم تغير الدستور فإن موقفهم ظل متخلفا ويعود لما قبل 2011.
في السياق نفسه، هناك إشكال يُطرح علاقة بالأسماء الأمازيغية، إذ نسمع من حين إلى آخر عن 'منع' تسجيل اسم أمازيغي لمولود حديث، وفي أحد البلاغات الرسمية بهذا الشأن قيل إن الأمر لا يتعلق بمنع ولكن بطلب مهلة لمعرفة معنى الاسم، ما رأيكم؟
هذا كلام فارغ لأن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أصدر معجما للأسماء الشخصية وأعطيناه لوزارة الداخلية ووزعناه على عدد من المؤسسات، وبالتالي فلا معنى للقول بطلب مهلة، هم يتوفرون على معجم الأسماء الذي أعده أكاديميون ويتضمن كل اسم ومعناه.
اليوم وبعد نحو سبع سنوات على ترسيم الأمازيغية، كيف ترون وضعيتها في المغرب، هل يمكن القول إنها شهدت تقدما، تراجعت أم ما تزال تراوح مكانها؟
التقدم المسجل في هذا الموضوع شبيه بذاك الذي تعرفه القضية النسائية، هناك نصوص متقدمة ولكن العقليات ظلت متخلفة، غيّرنا النصوص ولكن لم نغير عقليات الناس والمسؤولين، وكذلك تفعيل تلك النصوص لم يتم، إذن فهو اعتراف وترسيم مع وقف التنفيذ.
المصدر: أصوات مغاربية