في الوقت الذي كانت كثير من المجتمعات لا تسمح حتى بأن يرى الزوجان المستقبليان بعضهما قبل عقد القران، كان المجتمع الأمازيغي ومنذ قرون يسمح بلقاء الشبان والشابات بعضهم بعضا في إطار طقس يسمى بـ"الصقر" أو "تاقرفيت" حيث يتم التعارف بينهم بهدف الزواج.
ورغم تشبث كثير من المناطق في المغرب بهذا الطقس إلى اليوم، إلا أن كثيرين يرون أنه صار مهددا بفعل التكنولوجيا الحديثة، التي صار بعض الشباب يعتمدونها وسيلة للتعارف والزواج، وبفعل بعض الأفكار المتشددة التي تعارضه.
تقرفيت {كلمه أمازغيه }من أقرف وتعني بارد يطلقها آيت حديدوعلي تلك ألقاءات والمحداثات ألغزليه التي تجمع بين شاب وشابه استعداد أزواج جماعي
— najat nassiri (@nassiri_kaoutar) 27 octobre 2013
تعارف بهدف الزواج
قرب الوادي، في الحقل، أو في الساحة ، أمام مرأى الجميع، يلتقي شبان وشابات القرية العزاب، تدور بينهم محاورة شعرية، يتبادلون أطراف الحديث، يتعارفون، فتكون النتيجة في الغالب زواجا جاء عن سابق تعارف واختيار.
يتعلق الأمر بطقس تميز به المجتمع الأمازيغي منذ زمن طويل، يطلق عليه "أصقر" أو "الصقر" في مناطق الأطلس الصغير، بينما يطلق عليه "تاقرفيت" في مناطق الأطلس المتوسط والجنوب الشرقي، حسب ما يوضحه الباحث الأمازيغي، أحمد عصيد ضمن تصريحه لـ"أصوات مغاربية".
وحسب عصيد فإن هذا الطقس "كان مرتبطا في الواقع القبلي القديم بمؤسسة الزواج لأنه كان يتيح التعارف بين الشباب"، ومن ثمة فلم يكن هذا الطقس يطرح أي إشكال بل "كانت العائلات متسامحة معه".
بدوره يوضح الفاعل الجمعوي المنحدر من مدينة تافراوت بالأطلس الصغير، الحسين الحسايني، أن الأمر يتعلق بطقس يتيح التعارف قبل الزواج ولكن "وفق ضوابط أخلاقية معينة" وذلك بأن يتم "في أماكن محددة في القرية كأن تكون بالقرب من منبع المياه أو في بعض الأماكن حيث يتم تجميع المحصول الزراعي أو خلال بعض المواسم"، ما يعني أنها تتم أمام مرأى الجميع.
ويتابع المتحدث موضحا ضمن تصريحه لـ"أصوات مغاربية" أن هذا الطقس "يتم غالبا في المساء حيث يلتقي الفتيان والفتيات للتعارف" وهو ما كان يتم قديما من خلال "محاورة شعرية تتضمن مجموعة من الدلالات الرمزية" مردفا أن "أغلب علاقات الزواج في المنطقة كان يسبقها التعارف في إطار الصقر".
فنون ارتبطت بالطقس
ليس الشعر وحده الذي ارتبط بهذا الطقس بل فنون أخرى تشتهر بها مناطق الأطلس كـ"أحيدوس" و"أحواش"، وفي هذا الإطار يقول عصيد إن "الشبان عند تعارفهم مع الشابات كانوا يقومون بإحياء سهرة للرقص الجماعي مهداة لهن".
"أوديد" أو "توشكينت" مصطلحان يحيلان وفق عصيد في مناطق الجنوب على طقس مرتبط بـ"الصقر"، وهو أن "الفتيات حين يجلسن مع الشباب يطلبن منهم إحياء سهرة فنية لهن فيعد الشباب بتحقيق ذلك"، بعدها "تقوم الفتيات ببناء ما يسمى بأوديد، وهو عبارة عن تل حجري يضعن في قمته أنواعا من الورود ويبقى على حاله تلك شاهدا على الوعد الذي قطعه الشبان إلى أن يقوموا بإحضار أحواش وإحياء السهرة التي وعدوا بها، وحينها فقط يتم هدم ذلك التل".
من ثمة فإن هذا الطقس "ارتبط بمجموعة من العادات والتقاليد التي كان المجتمع التقليدي ينظم بها مؤسسة الزواج" كما أنه "ارتبط بعدد من الظواهر الفنية التي تتميز بها المنطقة".
مهدد بالتكنولوجيا والتشدد
مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات التي تسمح بالتعارف، والتي صارت توظف بدورها من أجل التعارف المؤدي إلى الزواج، يبدو من الملح التساؤل عما إذا كان طقس "الصقر" مازال حاضرا كما كان أم أنه اختفى حاله حال كثير من الطقوس والعادات التي لم تتمكن من الاستمرار جنبا إلى جنب مع التكنولوجيا الحديثة.
"والداي تعارفا وتزوجا في إطار ذلك الطقس وكذلك أنا وزوجتي" يقول الحسايني، الذي يؤكد استمرار "الصقر" إلى اليوم وإن كان مهددا بوسائل التواصل الحديثة.
الرأي نفسه يعبر عنه عصيد الذي يقول إن هذا الطقس ما يزال مستمرا وحاضرا "رغم أن أشكال التعارف تغيرت وأصبحت هناك مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات تتيح التعارف".
ولكن ليست التكنولوجيا الحديثة وحدها التي تهدد استمرار هذا الطقس، إنما أيضا الفكر المتشدد الذي يعارضه، بل ويحرمه.
هذا الأمر وقف عليه الحسايني، خلال عملية تتبع للطقس حيث وجد أنه يحضر في مناطق ويغيب في أخرى، كما وجد أن القاسم المشترك بين المناطق التي يغيب فيها "انتشار الزوايا ونوع من الفكر المتشدد الذي يمنع حتى رؤية المرأة فبالأحرى الجلوس معها والحديث وإياها".
من ثمة يستنتج المتحدث أن غياب الطقس عن بعض المناطق التي كان يوجد بها هو نتيجة لذلك الفكر المتشدد الذي يعتبره "دخيلا وغريبا على المغرب".
أما عصيد فيرى بأن الأصوات التي تعارض ذلك الطقس صادرة عن أشخاص "يحملون أيديولوجية أجنبية عن البلد" و"لا تتفق مع ثقافة بلدان شمال أفريقيا المنفتحة والتي تتضمن فنونا وعادات متجذرة وراسخة"، كفن أحيدوس الذي "يزعجهم ويحاربونه لأنه فن مختلط".
المصدر: أصوات مغاربية