في شهر سبتمبر من عام 1609 ميلادي، صدر مرسوم ملكي في إسبانيا يقضي بالطرد القسري للأندلسيين غير المسحيين. المرسوم طالب جميع الموريسكيين بالرحيل من أماكن سكنهم في الأندلس بعد سقوطها من يد المسلمين. وإلا سيتم تهجيرهم أو قتلهم إذا أبدوا مقاومة.
"عدم نجاح عملية اندماجهم وتآمرهم مع الإمبراطورية العثمانية في شمال أفريقيا ضد الملوك الإسبان"، كان دافعا لطردهم يقول المرسوم، لكن بعض المؤرخين يرون أن السبب الوحيد هو رغبة المسيحين في إقامة مملكة لمن يحمل نفس ديانتهم فقط إذ يعتبرون التعايش مع من يخالفهم العقيدة "خطيئة لا تغتفر".
في هذا السياق، تُجري "أصوات مغاربية" مقابلة مع المؤرخ المغربي والمتخصص في علم الآثار، محمد السمار، للحديث عن سياق طرد الموريسكيين من الأندلس واستقرار بعضهم في دول شمال أفريقيا.
نص المقابلة
أنت تنتمي إلى عائلة أصولها إسبانية وتحديدا إلى ما يسمى بالموريسكيين، فمن هم الموريسكيون؟
الموريسكيون هم السكان الذين رحلوا من الأندلس بعد خضوع هذه الأخيرة إلى الحكم المسيحي، وتحديدا آخر الهجرات الأندلسية أو آخر الفترات من الهجرات التي رحل فيها اليهود والمسلمون قسرا إلى دول شمال أفريقيا أو إلى باقي دول المشرق واستقر بعضهم في الدول الأوربية مثلا جنوب فرنسا وجنوب إيطاليا واليونان، بشكل عام الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط.
كل موريسكي هو أندلسي لكن ليس كل أندلسي موريسكي. وبالتالي فالموريسكيون هم آخر السكان غير المسيحيين الذين بقوا تحت الراية المسيحية بعد سقوط غرناطة وفضلوا البقاء في الأندلس حتى جاء قرار رسمي بالطرد القسري.
الموريكسيون بدؤوا في الهجرة منذ القرن 15 وبعد المضايقات والمطاردات التي تعرضوا لها ارتفع عددهم في بداية القرن 17، لأن في هذه الفترة ستصدر مراسيم ملكية لطردهم.
أما لغويا فالموريسكي هو اسم مركب من كلمتين الأولى تعني سكان موريطانيا الطنجية والثانية تعني الحقراء وهو يحمل دلالة سلبية. وكانت تستعمل من طرف بعض المسيحين الذين كانوا يكنون حقدا لليهود والمسلمين والديانات غير الكاثوليكية والذين كانوا يريدون القيام بتطهير عرقي للأندلس.
ما سياق هجرة الأندلسيين والموريسكيين إلى شمال أفريقيا؟
أولا يجب أن نشير إلى أن الهجرات الأندلسية إلى شمال أفريقيا بدأت سنة 1085 ميلادية أي مباشرة بعد سقوط أول معقل كبير كان تحت حكم المسلمين وهو مدينة طليطلة، كانت بمثابة أول قطب تجاري مهم يسقط. وتلتها مدن أخرى لمدة 4 قرون حتى سقوط غرناطة عام 1492، أصغر معقل للمسلمين.
طوال هذه المدة، كان للهجرات الأندلسية والموريسكية سبب أساسي واحد وهو أن الممالك المسيحية بالأندلس كانت تريد القيام بإعادة الفتح يعني بعدما فتح المسيحيون الأندلس وبعد الاستيلاء عليها من طرف المسلمين، كان حلمهم الوحيد لقرون من الزمن هو إعادة استرجاع الأندلس وشبه الجزيرة الإبيرية وطرد "الكفار" أي اليهود والمسلمين الذين رفضوا اعتناق المسيحية.
توحدت مملكة قشتالة ومملكة الأراغون لمواجهة حكم المسلمين في الأندلس خلال القرن 15 ميلادي، تفاوض المسلمون مع المسيحين فسلمت غرناطة. وتحديدا بعد أن وقعوا معاهدة تكفل لهم حقوقهم ومن بين ماجاء فيها حرية ممارسة العقائد وحرية التنقل والتجارة، لكن سرعان ما تجاوز الحكام المسيحيون المعاهدة ففرض اعتناق الديانة المسيحية وبدأت محاكم التفتيش.
التضييقات على اليهود والمسلمين استمرت حتى القرن 17 ميلادي، كان في البداية يفرض على الموريسكيين بيع ممتلكاتهم ثم الرحيل. بعدها تمت مطالبتهم بالخروج من الأراضي الأندلسية دون أخذ ممتلكاتهم لكن سرعان ما ستتحول المطاردات إلى مأساة حقيقة بعد أن فرض عليهم النجاة بأرواحهم والرحيل دون زوجاتهم وأطفالهم.
كل هذا حدث لمجرد اختلاف في العقيدة واختار الموريسكيون دول شمال أفريقيا نظرا لقربها ولسهولة العبور إليها.
هل عرفت الأندلس فعلا تعايشا دينيا وحضاريا بين كل الديانات؟ وهل كان اليهود والمسيحيون مندمجون في المجتمع الإسلامي؟
هذا صحيح وللأسف الشديد بعد سقوط الممالك الخاضعة لحكم المسلمين تحولت سياسة التعايش وقبول الآخر إلى تطهير الأندلس من "الكفار". وهذا أدى إلى عدة مشاكل اقتصادية وسياسية واجتماعية. وكان الخاسر الأول هو الأندلس حيث تم تفريغها من سكان كان لديهم وعي وخبرة وعلم، لكن هذا سينتقل فيما بعد إلى دول شمال أفريقيا التي عمرها الموريسكيون.
ماهي الظروف التي مرت بها رحلات الهجرة من الأندلس إلى دول شمال أفريقيا؟
كانت ظروفا قاسية جدا ومأساوية، وهي تشبه الرحلات التي تتم عبر قوارب الموت في المتوسط نفس التراجيديا ونفس المصير وفي ظروغ يغيب فيها ولو جزء صغير من الإنسانية. من نجا منهم تمكن من الدخول إلى أحد دول شمال أفريقيا بسهولة وكان هناك استقبال جيد للجالية الأندلسية خاصة وأن هذه الدول كانت تطمح للاستفادة من خبراتهم في عدة مجالات وكانت ترى أن لهم تأثيرا إيجابيا على تقدمها.
إلى أي حد ساهم الموريسكيون في تطور هذه الدول؟
الموريسكيون لعبوا دوار إيجابيا جدا في ازدهار دول شمال أفريقيا، فمثلا رباط الفتح عرفت ازدهارا حضاريا لا مثيل له. كانت مدينة لم يتم اكتمالها منذ القرن 12 إلى غاية القرن 17 أي بعد وصول الجالية الموريسكية، استقروا هناك وأسسوا المدينة العتيقة للرباط ومدنا أخرى مثل شفشاون وتطوان. تأثيرهم كان إيجابيا وكانوا يرون في أي بلد يصلونه تلك الأندلس المفقودة والتي يحلمون بإعادة بنائها. ساهموا بالخصوص في المجال العمراني والأدبي والموسيقي وحتى في المجال العسكري.
هل هذا يعني أن الموريسكيين استطاعوا الاندماج بسهولة في المجتمع المغربي رغم اختلاف عاداتهم وتقاليدهم؟
تم قبولهم بسهولة نعم لكن لم يكن اندماجهم سهلا أبدا. كانت هناك الكثير من الصعوبات والعراقيل، مثلا من الناحية العقائدية لم يتم تقبلهم، حيث كان سكان مدينة سلا ينعتنون الموريسكيين القاطنين في مدينة الرباط بمسلمي الرباط نظرا لأن الموريسكيين كان إسلامهم أكثر انفتاحا وأكثر عصرنة عكس الإسلام المحافظ السلفي. وأصبحت العبارة فيما بعد وصفا قدحيا لكل من يؤمن بإسلام أكثر انفتاحا.
كيف كانت علاقة الموريسكيين بدائرة الحكم في الدول المغاربية؟
أغلبية الموريسكيين كانت لهم علاقة جيدة جدا مع السلطة سواء في الجزائر أو في تونس والمغرب، كانوا يفرضون أنفسهم نظرا لمستواهم العلمي والثقافي، وكان الحكام يتسابقون لجلبهم والتعاون معهم. رغم أن بعضهم سيطمح لحكم ذاتي فمثلا في المغرب الموريسكيون أقاموا جمهورية خاصة بهم في الرباط كانت تسمى بجمهورية أبي رقراق وانفصلوا عن الدولة السعدية بعد ضعفها. كانوا ينعتون بالخونة من طرف إمارات أخرى لكنهم اختاروا حكم نفسهم بنفسهم وعدم الدخول في صراعات سياسية أو عسكرية مع دول أخرى.
البرلمان الإسباني سبق وقدم اعتذاره للموريسكيين، هل تجد هذا الاعتذار كافيا لرد الاعتبار لكم؟
الاعتذار قدم لليهود السفارديم فقط ولم يقدم للمسلمين، والحق لا يعطى بل الحق ينتزع. اليهود نظرا لقوتهم السياسية والاقتصادية والعلمية إضافة إلى مكانتهم الدولية استطاعوا أن ينتزعوا هذا الاعتذار على عكس العرب والمسلمين.
لماذا برأيك يغيب الحديث عن تاريخ الموريسكيين في المقررات الدراسية؟
إغفال الحديث عن تاريخ الموريسكيين أو إخفاء بعض الحقائق مرتبط أساسا بأسباب سياسية، فالمغرب تجمعه علاقات اقتصادية وسياسية مهمة مع إسبانيا، كما أن هناك توازنات بين دول شمال أفريقيا عموما ودول الاتحاد الأوروبي، الحديث عن أشياء وإغفال أخرى هو لحفظ هذه التوازنات.
هل تعتقد أن ما حدث للموريسكيين سيطال شعوبا أخرى مستقبلا؟
ما حدث للموريسكيين سبق وحدث لأقليات وإثنيات أخرى قبلهم، ويحدث الآن في عدد من الدول وسيطال شعوبا أخرى مستقبلا، اضطهاد الأقليات وترحيلهم سيستمر ما دامت بعض الدول لا تؤمن بالانفتاح وتقبل الآخر رغم اختلافه.
المصدر: أصوات مغاربية