12 هو عدد كتاب وكاتبات الدولة في الحكومة المغربية حاليا، عدد يراه البعض كبيرا في حين يتساءل آخرون حول مهام هؤلاء وجدوى استمرار مناصبهم.
وقد كان إعفاء كاتبة الدولة المكلفة بالماء، شرفات أفيلال، وحذف منصبها مؤخرا، مناسبة ليتجدد النقاش وتتكرر التساؤلات حول إمكانية إلغاء أو على الأقل تقليص عدد مناصب كتابة الدولة.
كتاب دولة.. "أشباح" داخل الحكومة
"تتألف الحكومة من رئيس الحكومة والوزراء، ويمكن أن تضم كتابا للدولة"، هذا ما ينص عليه الدستور المغربي في الفقرة الأولى من الفصل 87، وهو النص نفسه الذي يحيل عليه أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، عبد الرحيم العلام الذي يوضح أن الدستور ترك مجالا لإمكانية وجود هذا المنصب داخل الحكومة.
"من الناحية النظرية فإن فلسفة وجود كتاب الدولة لديها ما يبررها"، يقول العلام في تصريحه لـ"أصوات مغاربية"، وذلك على اعتبار أن الوزير أحيانا قد يكون مشرفا على قطاعات متعددة، تستدعي تعيين كاتب أو كاتبة دولة تُسند إليه إحدى تلك القطاعات، "وهذا أمر موجود في كثير من الديمقراطيات" يردف العلام.
ولكن، الإشكال حسب المتحدث أن "كتابات الدولة في المغرب لم تفصل على مقياس المصلحة العامة إنما على مقياس المصلحة الحزبية"، بحيث "تم منح مجموعة من الأحزاب كتابات للدولة من أجل ترضية الخواطر".
إشكال آخر يشير إليه العلام علاقة بهذا المنصب يتمثل في كون أغلب من يشغلونه نساء، إذ في الوقت الذي "منحت الوزارات المهمة للذكور فيما تم منح أغلب كتابات الدولة للنساء" يقول المحلل السياسي المغربي، "وكأن المرأة لا تصلح لشغل منصب وزيرة للفلاحة أو الدفاع مثلا.. وكأنهن في وضعية سكرتيرة للوزير".
ولا يستبعد العلام أن يكون ذلك "من الأسباب الرئيسية للخصومة بين أفيلال واعمارة" قبل أن يردف "ولربما هناك خصومات أخرى ولكنها صامتة، إذ أن مجموعة من كتاب الدولة قبلوا أن يكونوا أشباحا داخل الحكومة بدل أن يدخلوا في تنازع للاختصاصات مع الوزراء".
طبيعة العلاقة بين الوزير وكاتب الدولة
النقاش والجدل حول منصب كتابة الدولة كثيرا ما يتجه نحو إشكال تقاطع الاختصاصات بين من يشغل ذلك المنصب والوزير الوصي على القطاع، وكثيرا ما تطرقت وسائل الإعلام إلى إشكالية إحجام وزراء عن تمرير اختصاصات إلى كتاب دولة ما يجعل هؤلاء في وضعية "عطالة".
من الناحية الدستورية، يمكن للوزراء أن يمنحوا كتاب الدولة تفويضا بالاختصاص أو الإمضاء.
وتفويض الاختصاص من وزير إلى كاتب الدولة يعني "نقل المكانة القانونية في اتخاذ القرار من صاحب الاختصاص الأصيل إلى الشخص المفوض إليه"، وذلك "بناء على مرسوم" وفق ما يوضحه المحلل السياسي والخبير الدستوري رشيد لزرق.
و"تفويض الاختصاص له طابع الاستمرار حتى يصدر قرار بإلغائه"، أما في تفويض الإمضاء فيكون "للوزير المشرف على القطاع إمكانية التراجع عليه"، ينضاف إلى ذلك "كون تفويض الإمضاء لا يحد من اختصاص الوزير كما هو الحال في تفويض الاختصاص".
هذا من الناحية الدستورية، أما من الناحية السياسية والواقعية، وبغض النظر عما سلف، فيرى لزرق أن الأمر رهين إلى حد كبير بطبيعة العلاقة السياسية والشخصية بين الوزير والشخص الذي يشغل منصب كتابة الدولة إلى جانبه.
العامل الآخر المؤثر في هذه المسألة، هو طبيعة شخصية الوزير نفسه، إذ يلفت المتحدث هنا إلى أن "هناك وزراء يريدون الاستحواذ على جميع الاختصاصات" على حد تعبيره.
عبء نفقات كتابات الدولة
من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، إدريس لكريني، بأن هناك ضرورة لوجود منصب كتابة الدولة في الحكومة المغربية، من منطلق أن "التدبير العمومي اليوم صار معقدا ويقتضي نوعا من التخصص وكفاءات في مستوى انتظارات المواطن في ما يتعلق بمجموعة من القضايا والملفات".
غير أن لكريني في المقابل يشدد على ضرورة "استحضار الجانب المرتبط بحكامة التدبير التي هي مبدأ أساسي من المبادئ التي أكد عليها الدستور المغربي".
ويعود لكريني ضمن حديثه لـ"أصوات مغاربية" إلى النقاش حول تعدد المناصب في الحكومة الذي "طُرح في فترات سابقة سواء بخصوص حضور التقنوقراط أو في ما يتعلق بحضور كتاب الدولة" مبرزا أن هذا النقاش تجدد اليوم، بحيث كانت وما تزال تذهب عدد من الدعوات نحو المطالبة بـ"اعتماد عدد مقبول من الوزارات بصورة تتجاوز منطق إرضاء الأحزاب خصوصا عند إعمال التحالفات".
ويجدد المتحدث التأكيد أن "التدبير اليوم فعلا معقد ويقتضي كفاءات"، الأمر الذي قد يبرر وجود كتاب وكاتبات دولة إلى جانب الوزراء غير أنه يلفت في الوقت نفسه إلى كون "الإمكانيات والموارد المغربية بشكل عام تفترض وتقتضي إعمال قدر كبير من الترشيد بصورة تفرض تجميع عدد من المصالح والقضايا التي تحتمل ذلك في وزارة واحدة"، على اعتبار أن "إحداث كتابات الدولة يكلف الدولة إمكانيات كبيرة جدا".
المصدر: أصوات مغاربية