قبل يومين فقط دخل القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء حيز التنفيذ
قبل يومين فقط دخل القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء حيز التنفيذ

تداول مجموعة من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأخيرة مقطعا مصورا لفتاة مغربية تقول إنها تعرضت للاغتصاب من طرف زوجها، والمثير أن كثيرا من التعليقات على الفيديو ذهبت في اتجاه اعتبار أن الأمر لا يتعلق باغتصاب من الأساس مادام الفاعل زوجها الذي يحق له، وفقهم، فعل ما شاء دون أن تتمنع.

يأتي هذا في ظل خروج القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء حيز التنفيذ والذي كانت من النقط الأساسية التي انتقدها كثيرون بشأنه، "عدم تنصيصه" بشكل واضح على تجريم الاغتصاب الزوجي.

أحكام "نادرة"

قبل يومين فقط دخل القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء حيز التنفيذ، وهو القانون الذي كان مثار نقاش واسع، وانتقاد كثيرين بسبب "إغفاله" بعض المقتضيات، أبرزها "عدم تنصيصه"، وفق كثير من الحقوقيات، بشكل واضح على تجريم الاغتصاب الزوجي.

المحامية والحقوقية، عائشة لخماس تؤيد الفكرة نفسها إذ ترى بأن القانون الجديد هو "مجرد تعديلات على بعض فصول القانون الجنائي والمسطرة الجنائية ولا يتطرق أبدا للاغتصاب سواء الزوجي أو غير الزوجي، فقد ترك هذه الجريمة للقانون الجنائي وكأنها جريمة عادية تخضع لقواعد الإثبات العادية والتكييف القانوني العادي".

​​ مع ذلك، ورغم أنه لا يوجد تنصيص على جريمة الاغتصاب الزوجي بشكل محدد وواضح وبذكرها بالاسم، إلا أن لخماس تلفت ضمن تصريحه لـ"أصوات مغاربية" إلى أن القانون في تعريفه للاغتصاب يقول بأنه "مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها" بغض النظر عمن يكون ذلك الرجل ومن تكون تلك المرأة.

وبالتالي، "لو كان هناك اجتهاد" وفق المتحدثة، "كان يمكن انطلاقا من الفصل القديم والموجود حاليا معاقبة الزوج الذي يغتصب زوجته".

غير أن الواقع، أن الأحكام الصادرة في قضايا ذات صلة بالاغتصاب الزوجي في المغرب، "قليلة" بل و"نادرة"، وفق لخماس، التي تشير إلى أن الأمر يتعلق بحكمين أو ثلاثة، حيث كان الاغتصاب مرفوقا بالعنف الجسدي، كحالة سيدة "اغتصبها زوجها من الدبر وسبب لها تمزقا ونزيفا حادا".

"packadge” الزواج

عدم التنصيص بشكل واضح على تجريم الاغتصاب الزوجي وذكره بالاسم في القانون، أمر يثير كثيرا من ردود الفعل والآراء المتناقضة بين من يعتبره جرما ومن لا يراه جرما من الأصل مادام الجاني هو الزوج، وهو ما كان يعززه لدى البعض سابقا، وجود فقرة من فصل قانوني كانت تتيح إفلات المغتصب من العقاب في حال زواجه من ضحيته.

اليوم، ما يزال الكثيرون يتبنون تلك الفكرة ولا يستسيغون ربط فعل الاغتصاب بمؤسسة الزواج، إذ يعتبرون أن "الممارسة الجنسية واجبة على الزوجة"، بل وعنصرا أساسيا ضمن "packadge" الزواج، بمعنى أن المرأة ما دامت قد قبلت الزواج فقد قبلت تلقائيا أداء ذلك "الواجب" أينما ووقتما شاء الزوج بغض النظر عن ظروفها النفسية والجسدية.

الإشكال أن هذه الفكرة تتقاسمها حتى بعض النساء، وفي هذا الإطار، توضح لخماس، أنه "لا يوجد وعي لدى الكثيرين بمن فيهم النساء بأن الأمر يتعلق بجريمة"، ذلك أن "المرأة نفسها تعتبر بأنها يجب أن تكون رهن إشارة زوجها في كل وقت سواء شاءت أم لم تشأ" مشيرة في السياق إلى "عدد من الدراسات التي تكشف أن النساء المغربيات يعشن بؤسا جنسيا".

​​من جانبها، ترى الناشطة في حركة "مالي"، سارة عوني، بأن "من أول وأهم الأسباب وراء الاغتصاب الزوجي هي ذكورية المجتمع"، الذي لا يعترف وفقها "سوى باحتياجات الرجال بينما يرى في النساء مجرد وسيلة للمتعة الجنسية".

وتضيف "الرجال يعتبرون أن لديهم سلطة على النساء ليقوموا بما شاؤوا باسم ذلك العقد (تقصد عقد الزواج)، وليفرضوا عليهن إرضاء احتياجاتهم الجنسية وقتما شاؤوا".

وتشير المتحدثة إلى أنه "هناك بعض الأحاديث التي ترسخ تلك الأفكار"، بل إن حتى النساء، تقول عوني "تربين في ظل هذا المجتمع الذكوري على طاعة الأزواج والرضوخ لهم والاستعداد لتلبية احتياجاتهم في أي وقت شاؤوا، بينما لا يسمح لهن حتى بالتعبير عن احتياجاتهن".

الرفض "نشوز"

الحديث عن "الاغتصاب الزوجي" يجر دائما إلى الحديث عن رأي الشرع في الموضوع، خصوصا وأن العديد ممن ينكرون وجود هذه الجريمة يستندون في رأيهم إلى الدين وكثيرا ما يستحضرون في هذا السياق الحديث النبوي الذي يقول "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبانا عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح".

في هذا الصدد، يقول الباحث في الدراسات الإسلامية، محمد عبد الوهاب رفيقي إنه "حسب الموروث الفقهي وحسب ما يكاد يتفق عليه فقهاء المسلمين فإنهم فعلا لا يعتبرون هذا الفعل اغتصابا بل يعتبرونه نوعا من الواجب الزوجي الذي تطلع به المرأة فقط دون الرجل" .

​​فالمرأة، يضيف رفيقي "مأمورة بأن تستجيب لزوجها كما رُوي في بعض الأحاديث المنسوبة إلى النبي، حتى ولو كانت على ظهر شوك أي حتى لو كانت في وضعية حرجة"، فإن عليها "الاستجابة لرغبات الزوج وغرائزه بغض النظر عن رغبتها أو عدم رغبتها، ارتياحها أو عدم ارتياحها، واستعدادها أو عدم استعدادها".

أما في حال رفضها فهي "حسب نفس المرويات حتى ولو كانت في وضعية غير مريحة وغير راغبة فإن الملائكة تلعنها حتى تصبح ويترتب على ذلك عقاب شديد ويُعتبر فعلها نشوزا" مع العلم أن النشوز يعتبر "من الأسباب الداعية لتطليق الزوجة".

عقلية ذكورية

في المقابل، فإن كل ما سلف "حسب المرويات وحسب الفقه الإسلامي لا ينطبق على الرجل، حيث أنه ليس مسؤولا عن تلبية رغبات زوجته متى رغبت في ذلك"، إذ "يجب أن تراعى حالته النفسية ورغبته في كل شيء على خلاف المرأة تماما"،الأمر الذي يصفه رفيقي بـ"الظلم الشديد".

ويوضح رفيقي بأنه إذا كان ما سلف مبنيا على مرويات أحاديثية منسوبة إلى النبي، ففي المقابل، فإنه "يتناقض تماما مع هذه المقاصد والمبادئ العليا التي يجب أن تكون حاسمة والتي فيها تكريم الإنسان بصفته إنسانا سواء كان رجلا أو امرأة".

​​ويردف الباحث المغربي "القرآن تحدث عن كرامة الإنسان.. مثل تلك الأحكام تتنافى تماما مع كرامة المرأة".

ولذلك، فإن هذا الموضوع بحسب رفيقي دائما هو من المواضيع الكبرى التي تدعو إلى إعادة النظر في الفقه الإسلامي والموروث الاسلامي "الذي كان بلا شك متأثرا بعقلية ذكورية محضة، هي التي صاغت  وأنتجت هذا الفقه بناء على التفكير الذي كان سائدا في المجتمع وبناء أيضا على رغبة ذلك الرجل الذي كتب هذا الفقه".

 

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة