ما زالت عقوبة الإعدام موضوع نقاش وجدل واسعين في المغرب يقسمان الآراء بين مؤيدين لاستمرار المحاكم في النطق بها، ومطالبين بإلغائها تكريسا لوقف تنفيذها المستمر منذ ما يزيد عن 25 عاما.
الائتلاف المغربي من أجل إلغاء عقوبة الإعدام، الذي يدافع منذ سنوات عن إلغاء هذه العقوبة، جدد مطالبه هذه، يوم أمس الجمعة، خلال الجلسة الافتتاحية لجمعه العام، إلى جانب عدد من الحقوقيين والديبلوماسيين والمسؤولين الحكوميين.
إلغاء تدريجي
كثيرون يستحضرون واقعة إعدام "الكوميسير ثابت" بوصفها آخر حالة طبق فيها المغرب عقوبة الإعدام قبل أزيد من 25 عاما، غير أن وزير العدل محمد أوجار، يؤكد أنه "من الناحية العملية لم يتم تطبيق هذه العقوبة منذ 1982" مشيرا إلى واقعة الإعدام التي تمت في شهر أغسطس من عام 1993 بوصفها "استثناء".
ويتابع أوجار موضحا أنه منذ ذلك التاريخ (أغسطس 1993) لم يعرف المغرب تطبيق تلك العقوبة، مع العلم أن عدد المحكوم عليهم بها بلغ إلى حدود نهاية العام الماضي 93 حالة.
هذا ويؤكد المتحدث أن "توجه المملكة المغربية قريب إلى حد كبير من التوجه العالمي نحو الإلغاء التدريجي لهذه العقوبة"، مبرزا أن هذا الخيار ينسجم مع التزامات المغرب في مجال حقوق الإنسان.
في الوقت نفسه، يشير أوجار إلى "آلية العفو الملكي"، معتبرا أنها "تلعب دورا مهما في إعادة التوازن إلى السياسة العقابية من خلال تحويل العديد من حالات الحكم بالإعدام إلى السجن المؤبد أو المحدد".
تردد قانوني
في الوقت الذي أشاد ويشيد كثيرون بإقرار دستور 2011 الحق في الحياة كما هو منصوص عليه في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، فإن رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمينة بوعياش، تلفت إلى أن تفعيل هذا الحق "لم يتم تشريعه بعد بما يطابق الفصل 20 من الدستور".
وتتابع بوعياش مداخلتها مشيرة إلى اقتراح تقليص عدد المواد التي تعاقب بالإعدام ضمن مشروع القانون الجنائي لتنتقل من 31 مادة إلى 8 مواد، مع "إضافة ثلاثة مواد جديدة يجرمها القانون الدولي الإنساني"، وهو ما يعكس وفقها "ترددا" في الحسم بين الإلغاء والإبقاء على الإعدام.
وحسب المتحدثة نفسها فإن النقاش العمومي أدى إلى هذا "التردد"، وهو ما تسجله بوصفه تقدما إذ تقول "نجحنا في التقدم لإلغاء عقوبة الإعدام، بإحداث التردد القانوني الحالي".
هذا وشددت بوعياش على أن المجلس "سيصطف بكل وضوح مع إلغاء عقوبة الإعدام" كما "سيبقى مفتوحا على كل الآراء والمواقف للدفاع عن وجهة نظره بخصوص إلغاء تلك العقوبة".
مع الأقلية
المندوب الوزاري لحقوق الإنسان، أحمد شوقي بنيوب، من جانبه أكد التزام المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان بـ"توفير حوار رصين حول الموضوع المختلف فيه"، مع التزامها بتمكين المجتمع المدني بالإشراف مباشرة على إدارة هذا الحوار.
واشترط بنيوب في هذا الإطار أن يكون الحوار بين "أصحاب الرأي والاختصاص"، مع تشديده في السياق نفسه على ضرورة افتتاحه "بأوراق مكتوبة معللة".
المتحدث الذي وصف الداعين إلى إلغاء العقوبة بـ"الأقلية" أكد أنه في صف هذه الأقلية لأنه مع إلغاء الإعدام.
وفسر دعوته بأن يكون الحوار بين "أصحاب الرأي قبل أصحاب المواقف" بردود الفعل التي تلي بعض الأحداث الإجرامية.
"لو أجري استطلاع فوري بعد عملية إرهابية أو اعتداء شنيع على طفلة ستكون الأقلية أقلية الأقليات"، يقول بنيوب الذي نبه إلى الأثر الممكن للظروف المحيطة في نتائج أي استطلاع بشأن الموضوع، وهو يقول "أظن لو أجري اليوم أي استفتاء في ظرف غير مناسب ستكون النتيجة كارثية".
"عقوبة لا إنسانية"
بالحديث عن التأثير الممكن للتوقيت والظرف في نتيجة أي استطلاع قد يجرى بشأن الإلغاء أو الإبقاء على الإعدام، يستحضر كثيرون النقاش الذي أثير مؤخرا على خلفية الجريمة البشعة التي راحت ضحيتها سائحتان إحداهما من النرويج والثانية من الدانمارك.
في المقابل فإن سفيرة النرويج، إحدى الدولتين التي تنتمي إليها إحدى الضحيتين، دافعت ضمن مداخلة لها خلال لقاء هذا اليوم عن إلغاء هذه العقوبة في البلدان التي ما تزال حاضرة فيها، ومن ضمنها المغرب.
وقالت سفيرة النرويج، ميريث نيغارد، إن عقوبة الإعدام التي وصفتها بـ"اللا إنسانية"، "ليس لها أثر رادع"، واستشهدت على ذلك بكون الدول التي ما تزال تحتفظ بها لا تعرف مستويات جريمة أقل من البلدان التي ألغتها.
واستحضرت المتحدثة نموذجا من واقع بلادها، إذ أشارت إلى الجريمة البشعة التي شهدتها النرويج في يوليو من عام 2011 والتي نفذها شخص نرويجي متطرف.
وتابعت موضحة أنه بالرغم من إدانة مرتكب تلك الجريمة بقتل ما يزيد عن سبعين شخصا وإصابة عشرات آخرين، إلا أن الرأي العام لم يطلب إعدامه.
المصدر: أصوات مغاربية