من قرية صغيرة تسمى مداوروش تقع بالشرق الجزائر إلى عالم المعلوماتية والبرامج التقنية المتطورة.. هي مسيرة الباحث الجزائري بشير حليمي الذي يعود إليه الفضل في إدخال اللغة العربية إلى الكمبيوتر، فأصبح اسمه مرتبطا بهذا الإنجاز غير المسبوق.
في هذا الحوار مع "أصوات مغاربية"، يتحدث حليمي من مقر إقامته بكندا عن بداياته الأولى، وكيف استوحى فكرة مشروعه، وهل كان الأمر سهلا على شاب جزائري جاء طالبا للعلم قبل أن يصبح مسؤولا عن أهم مشروع في نظام المعلوماتيات.
نص المقابلة:
يرتبط اسمك بمشروع إدخال اللغة العربية في جهاز الكمبيوتر، كيف كانت بدايتك الأولى مع هذا المجال؟
سؤالك يعيدني إلى أكثر من 40 سنة خلت، تحديدا إلى عام 1975 يوم استفدت من منحة دراسية من الحكومة الجزائرية قصد إكمال دراستي في مجال الإعلام الآلي.
وقتها لم أكن أعرف الشيء الكثير عن هذا التخصص، ولك أن تتخيل صورة شاب جزائري آت من قرية غير معروفة تسمى مداوروش تقع في الشرق الجزائري يغادر لأول مرة بلاده نحو بلد جديد هو كندا.
لا أخفي عليك أنني كنت في بداياتي مثل الشخص التائه لاعتبارات عديدة، لكن في نفس الوقت كنت أشعر بقوة كبرى تدفعني للتعلم ومعرفة كل صغيرة وكبيرة في هذا التخصص، ونجحت في ذلك بشكل كبير، حيث حصلت على الإجازة الجامعية في ظرف 3 سنوات بدلا من 5 سنوات، مثلما كانت تتيحه المنحة التي استفدت منها.
الأمر هذا دفعني لاستغلال ما تبقى من مصاريف المنحة لمواصلة دراستي، فحضرت لشهادة الماستر في تخصص الترميز والتشفير في نظام الاستغلال المعلوماتي، وقد ساعدني تكويني في الرياضيات بشكل كبير في ولوج هذا المجال العلمي الذي يعتمد عليه بشكل كبير في الاتصالات العسكرية والمالية.
كنت في تخصص تقني ومعلوماتي يعتمد بالدرجة الأولى على اللغة الإنجليزية، كيف فكرت في إدخال العربية إلى الكمبيوتر؟
لم يكن الأمر سهلا كما قد يعتقد البعض، ولكن أستطيع القول إن سبب اهتمامي وقتها بالعربية هو شغفي وحبي لهذه اللغة.
كنت منذ صغري أمارس فنون الرسم اعتمادا على الخط العربي، فكنت بالفعل أهوى هذا المجال لدرجة أنني يوم عدت في زيارة عائلية إلى قريتي بالجزائر في بداية الثمانينات، قمت بكتابة اسم المقهى الذي كنا نجلس فيه، ولا زالت هذه الكتابة موجودة لحد الساعة.
لكن فضولي الحقيقي بخصوص مشروع إدخال اللغة العربية إلى الكمبيوتر بدأ عندما فكرت في إرسال التهاني بمناسبة العيد إلى عائلتي في نهاية السبعينيات، فآثرت القيام بذلك عن طريق جهاز الكمبيوتر، بعدما شعرت بتطور إمكانياتي التقنية، وقدرتي على التحكم في برامجه.
نجحت الخطوات في كتابة كلمة "عيد"، لكن ما لاحظته أن طريقة كتابة حرف العين في بداية الكلمة يختلف عن شكله وهو يقع في وسط أو آخر الكلمة، فاجتهدت في رسم أشكال مختلفة للحروف وأيضا تنوينها بالضم والكسر والفتح أو في حالات السكون، وهي عملية أخذت مني بعض الوقت.
من هنا بدأت فكرة هذا المشروع الذي أخذ أبعادا أخرى بعدما آمنت به كبار الشركات في العالم.
وكيف استطعت إقناع الشركات العالمية التي تعاملت بعها بفكرة اللغة العربية وضرورة إدخالها إلى جهاز الكمبيوتر؟
(يضحك) بسؤالك هنا تذكرني ببعض المغامرات التي قطعها هذا المشروع والتي كانت مخالفة لجميع توقعاتي وسأشرح لك لماذا.
بعدما نضجت الفكرة، أسست شركتي الأولى بداية الثمانينات، وزرت العديد من البلدان في الخليج العربي من أجل إقناع مسؤوليها بجدية هذا المشروع، لكن اندهشت كثيرا من رد فعل بعض المسؤولين هناك.
ماذا جرى تحديدا؟
كان أملي كبيرا في تلقي الدعم من هذه الجهات من أجل تطوير مشروعي، خاصة وأنه يخدم اللغة العربية ويطور من مجالات استعمالاتها العلمية، لكن لا أحد من الأطراف التي اتصلت بها أبدى رغبة في مساعدتي، بل كان موقفهم باردا وغير مكثرت.
وماذا فعلت بعد هذه الخطوة؟
بقيت متمسكا بمشروعي وعملت على تطويره بعد إضافات، لغاية مجيء الشركة الأميركية "مايكروسوفت" التي رحبت بالفكرة، وتبنتها.
كا ذلك في سنة 1981، وكانت هذه المرحلة منعرجا حاسما في مشروع إدخال اللغة العربية في جهاز الكمبيوتر الذي أصبح معمما ومستخدما في العديد من البلدان بما فيها تلك التي رفضته في بداية الأمر.
ماهي النصحية التي توجهها للباحثين المغاربيين في كندا وباقي بلدان العالم؟
أنا أتوجه لجميع الشباب في الجزائر وفي الأوطان المغاربية بأن يحاربوا اليأس، وأن يدركوا أن النجاح لا يقوم سوى على ثقافة التحدي والمثابرة.
بالنسبة للباحثين أقول إن الثقة في النفس والصبر على الصعاب هو واحد من المفاتيح الأساسية لإثبات الذات والتفوق.
المصدر: أصوات مغاربية