في مثل هذا الشهر (فبراير) سنة 1958، شنّ الطيران الاستعماري الفرنسي غارات على قرية حدودية بين الجزائر وتونس خلّفت عشرات القتلى، انتقاما من دعم الأخيرة لثوار الجزائر.
وإلى اليوم لا يزال البلدان يُحييان رسميا وشعبيا ذكرى الحادثة المعروفة بـ"أحداث ساقية سيدي يوسف"، التي لم تُثن التونسيين عن التضحية في سبيل تحرير الجزائر.
دعم متبادل
منذ استقلال تونس سنة 1956 تحوّلت المناطق الحدودية إلى قاعدة خلفية للثورة الجزائرية، التي مضى على انطلاقها سنتان، فكان المددُ بالسلاح يتدفّق، كما لجأ إلى العاصمة التونسية قياديون ثوريون وسياسيون جزائريون مُطاردون من الاستعمار.
وعن التعاون التونسي الجزائري في النضالين السياسي والثوري قبل استقلال تونس، نقل الباحث الجزائري في التاريخ عامر رخيلة، شهادة عن العقيد مصطفى بن عودة (قائد ثوري جزائري)، جاء فيها "المقاومة التونسية كانت تجد في الشرق الجزائري لا الدعم والمساندة الشعبيين فحسب، بل وصل الأمر إلى درجة انتساب مناضلين من الحركة الوطنية الجزائرية في صفوف المقاومة التونسية".
ويضيف "الثوار التونسيين الذين كانوا يسمونهم الفلاّقة كانوا يلتجئون إلى الجزائر وكانت لهم اتصالات بالسيد باجي المختار وكان يقدم لهم المساعدة والتموين بالسلاح والذخيرة والأفراد".
السلاح يتدفّق
لم تنس تونس دعم ثوار الجزائر لنضالها، فارتمت بقوة في معركة تحرير الجزائر، ودخلت أولى دفعات السلاح إلى الجزائر عبر ليبيا ثم تونس في الفاتح من نوفمبر 1954، أي في اليوم الذي انطلقت فيه الثورة، وكانت الشحنة ضخمة جدا.
جاء في كتاب "التسليح والمواصلات أثناء الثورة التحريرية" أنه في أول نوفمبر 1956 "عبرت أول شحنة أسلحة الحدود الليبية التونسية بنجاح، أوصلها عمار بن عودة إلى غار ديماو، لتوزع كما يلي: الولاية الأولى 400 بندقية رشاشة مع الذخيرة، الولاية الثانية 400 بندقية رشاشة مع الذخيرة، الولاية الثالثة 450 بندقية رشاشة مع الذخيرة، الولاية الرابعة 550 بندقية رشاشة مع الذخيرة".
ويشير كتاب "الإمداد بالسلاح خلال الثورة التحريرية 1954-1962"، إلى أن الإمداد بالسلاح "انتظم أكثر نظرا لانتصارات الثورة بعد 1956، حيث أصبح معدل مرور قوافل السلاح يوميا تقريبا، كما أصبح النقل منتظما ومنسقا بين جبهة التحرير الوطني في تونس وممثلي بورقيبة وعلى رأسهم أحمد التليلي".
الاستعمار ينتقم
أثار الدعم التونسي الكامل لثورة الجزائر؛ شعبيا ورسميا وعسكريا ودبلوماسيا وإعلاميا، غضب الاستعمار الفرنسي، فبحث عن سبيل لضرب هذا الدعم، ولم يجد هدفا أحسن من المناطق الحدودية، مصدر السلاح الأول للثوار.
كانت قرية ساقية سيدي يوسف التونسية الأقرب إلى سوق أهراس الجزائر، يربط بينهما طريق قصير جدا، وكانت تمثل مركزا لنشاط ثوري مكثف وصامت، وقبيل القصف الفرنسي، وتحديدا في 11 يناير 1958، اندلعت قرب القرية "معركة الواسطة" بين ثوار الجزائر والجيش الفرنسي خلفت 17 قتيلا فرنسيا وجرحى وكانت خسائر الجزائريين أقلّ، وكان هذا "مبرّرا" لانتقام فرنسي.
في 29 يناير صادق مجلس الوزراء الفرنسي على "حق ملاحقة تونس" بسبب دعمها للجزائريين، ذكر كتاب "قادة جيش التحرير الوطني"، بأن فرنسا "روجت للرأي العام أن معركة الواسطة وقعت في التراب التونسي وأنها متعمدة من قبل الجزائريين لإحباط المفاوضات التونسية، وبدأت القيادة العسكرية الفرنسية في الجزائر تخطط لتوجيه ضربات عسكرية للجزائريين والتونسيين حتى تتوقف تونس عن دعمها للثوار الجزائريين."
في الثامن من فبراير قصف الطيران الفرنسي قرية ساقية سيدي يوسف، ووافق هذا يوم السوق الأسبوعي ما ضاعف عدد القتلى. خلّفت العملية، التي دامت ساعة واحدة وشاركت فيها 25 طائرة، 79 ضحية بين تونسيين وجزائريين أغلبهم من الأطفال والنساء والشيوخ والتلاميذ، و130 جريحا، كما دُمّرت القرية بأكملها ودفن أهلها ومن قصد سوقها تحت الأنقاض.
ولم تُثن هذه الحادثة الألمية التونسيين شعبا وحكومة عن مواصلة دعمها المختلف للثورة الجزائرية، واستمر الأمر إلى اليوم الذي تحرّرت فيه الجزائر.
المصدر: أصوات مغاربية