Logos

أصوات مغاربية الآن علي موقع الحرة

اضغط. هنا لزيارة موقع الحرة

محمد العزيزي وسط محله لبيع الكتب في المدينة العتيقة بالرباط
محمد العزيزي وسط محله لبيع الكتب في المدينة العتيقة بالرباط

في قلب المدينة العتيقة بالعاصمة الرباط، تقع "مملكته". محل ضيق يقضي فيه 7 ساعات يوميا. يضم بحسبه أكثر من ألفي كتاب. قرأ منها الكثير وتعلم منها الكثير.

حكاية السبعيني، محمد العزيزي، مع بيع الكتب المستعملة بدأت في ستينيات القرن الماضي، وكان ولعه بقراءة قصص الرسوم المتحركة نقطة انطلاقها.

بداية الحكاية

"في صغري، كنت أعشق قراءة سلسلات قصص الرسوم المتحركة. لا أزال أتذكر عناوينها حتى الآن؛ كيوي، وروديو، وتانتان، وزومبلا، وغيرها. وفي فترة من الفترات، تحولت من قراءتها إلى المتاجرة فيها"، يحكي بائع الكتب المشهور في الرباط لـ "أصوات مغاربية".

محمد العزيزي وسط محله لبيع الكتب في المدينة العتيقة بالرباط
محمد العزيزي وسط محله لبيع الكتب في المدينة العتيقة بالرباط

​​مصدر قصص الرسوم المتحركة التي أدخلت العزيزي إلى عالم الكتب المستعملة، هم الأجانب "اليهود والنصارى الذين كانوا يقطنون في أحياء أكدال والسويسي وحسان بالعاصمة".

يقول: ​​"من حين إلى آخر، كان أولئك النصارى واليهود يتخلصون من بعض تلك القصص، عبر منحها لمغاربة مارسوا نشاط التجارة البدائية في الكتب المستعملة".

هؤلاء كانوا يتجولون، كما حكى العزيزي، بعرباتٍ يدوية الدفع في الأحياء التي قطنها أولئك الأجانب، منتظرين أن تخرج خادمة من باب إحدى الفيلات، لترمي بعضاً من قصص الرسوم المتحركة، ثم كانوا ينقلونها إلى وسط المدينة، ويبيعونها إلى العزيزي وأمثاله.

كان العزيزي يعرض تلك القصص للبيع في الشارع مقابل 20 فرنكا مغربيا (أقل من ربع درهم) للقصة الواحدة، وغادر مقاعد الدراسة سنة 1963، واستمر في ذلك النشاط لمدة 14 عاما، قرأ خلالها 800 قصة، كما حكي لـ "أصوات مغاربية".

محمد العزيزي منهمك في القراءة وسط محله
محمد العزيزي منهمك في القراءة وسط محله

​​وفي سنة 1976، ودَّع العزيزي الشارع. يقول: "في تلك السنة، تمكنت بعد جهد كبير من توفير مبلغ مكَّنني من شراء هذا المحل. ففي ذلك الوقت، كانت 5000 درهم (نحو 526 دولارا) تعادل 20 ألف درهم حاليا (حوالي 2100 دولار)".

كتب تثير الرعشة!

طيلة فترة تواجده في محله، لا تفارق الكتب كفَّي العزيزي. هذا الأخير يقرأ باستمرار، إلى درجة أن كثيرين من سكان الرباط يرشدون إليه من يرغبون في التبضع منه بالقول "أُدخلوا المدينة القديمة، وستجدونه وسط كومة من الكتب، أحدها بين يديه".

تتراوح أسعار الكتب التي يبيعها العزيزي ما بين 5 دراهم (حوالي نصف دولار) و40 درهما (حوالي 4 دولارات). وكل عنوان يثير انتباه العزيزي لا يتأخر في تقليب صفحاته واقتحام عالمه، لكن وسط كل ما قرأ، استطاع كتابان فقط حفر مكان في ذاكرته إلى الأبد.

يبوح العزيزي: "قبل عامين، استفزَّني كتاب معنون بـ 'عرش إبليس'. بدأت قراءته، وعندما وصلت إلى بعض الصفحات بدأ جسمي يرتعش". حالة يقول إنه وصل إليها بسبب اطلاعه، من خلال الكتاب، على "الطريقة التي يحرك بها إبليس البشر، وكيفية تحدثه وهو جالس على عرشه".

تناول العصرونية في محله الضيق، عادة يحافظ عليها العزيزي منذ سنوات
تناول العصرونية في محله الضيق، عادة يحافظ عليها العزيزي منذ سنوات

​​رواية "البؤساء" للفرنسي فيكتور هيجو أثَّرت أيضا في العزيزي. تعرُّض بطلها، جون فالجون، للمعاناة والظلم رغم أنه كان، بحسب تعبير العزيزي، طيبا من الداخل، جعل هذا الأخير يتعاطف معه، ويتذكر قصته إلى غاية اليوم.

كتب تاريخ المغرب المكتوبة من قِبل فرنسيين، تعد أهم ما يمكن أن يعثر عليه العزيزي وسط الكتب التي يقتنيها لإعادة بيعها. فإذا عثر على أحدها، يعزله عن البقية، ويبيعه للمكتبات الكبرى في الرباط، التي يقول إنها تهتم كثيرا بذلك النوع من الكتب، وتدفع له فيها مبالغ محترمة.

سر اهتمام مكتبات العاصمة بذلك النوع من الكتب يكشفه العزيزي بالقول: "الفرنسيون إذا تحدثوا عن تاريخ المغرب، يحكون ويصفون بموضوعية، عكس المغاربة الذين ينقلون التاريخ مزورا، عبر التصرف في سرد أحداثه".

هذا ما تعلمته

أحيانا، لا يكسب العزيزي من هذا النشاط ولو درهما واحدا خلال اليوم. وفي أحسن الحالات، يربح 200 درهم (نحو 21 دولارا) في اليوم، ويكون ذلك في مواسم الدخول المدرسي، حين يقصده الآباء وأولياء الأمور لاقتناء الكتب المدرسية، التي يخصص لها حيزا وسط محله.

محمد العزيزي
محمد العزيزي

​​لكن المكسب المالي لا يعني للعزيزي شيئا مقابل ما تعلمه من الكتب التي قرأها. يقول: "المطالعة أنارت تفكيري، لكنني في كل مرة أقرأ فيها كتابا جديدا، أحس نفسي جاهلا لا أعرف أي شيء في الحياة".

عندما يتحدث العزيزي عن التلفزيون والإنترنت، تشعر أنه يصنفهما في خانة الأعداء. فالأول يقول إنه أفقده عند ظهوره ربع زبنائه، والثاني التهم منه البقية، إذ لم يعد يأتيه إلا من يبحث عن كتب أو مجلات عجز عن إيجادها على الإنترنت.

واقع يتحسر عليه العزيزي، ويعتبر أن تراجع الإقبال على القراءة هو السبب في ارتفاع مستوى الجريمة والانحراف الأخلاقي وسط صفوف الشباب المغربي.

"بالقراءة نعرف الحياة، وبالتخلي عنها نفقدها"، ينهي العزيزي حديثه لـ "أصوات مغاربية" بنبرة يطغى عليها الحزن.

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة