حول العالم، تظهر باستمرار قصص أشخاص يتخلون عن الوظيفة والاستقرار المالي، لخوض مغامرات تبدو في الوهلة الأولى تهورا.
حكايات ملهمة عاشها أيضا مغاربة. من بين هؤلاء محمد بنكيران، شاب مغربي في ربيعه الثالث، بَصَمَ على أحدها.
في مارس 2017، قدَّم محمد استقالته من وظيفة حكومية كانت تضمن له الاستقرار المالي، كان يملك بيتا وسيارة، لكنه قرر التخلي عن كل ذلك من أجل تحقيق حلم ظل يراوده منذ المراهقة. إنه السفر إلى أدغال أفريقيا مشيا على الأقدام.
"عندما علم والدِي أنني تخليت عن وظيفتي قاطعني"، يقول محمد متحدثا عن أول ضريبة دفعها مقابل قراره، لكنه حكى لـ "أصوات مغاربية"، أنه كان يرفض أن تضيع سنوات حياته دون أن يفعل ما يحب.
في البداية، وجد الرعب طريقا إلى محمد، بعدما صوَّر له كل من حدَّثهم عن قراره أن الذهاب إلى أفريقيا بتلك الطريقة يعدُّ تهورا. آراء جعلت محمد يفكر في القيام برحلته رفقة مجموعة من المغاربة. أعلن، عبر الإنترنت، عن "سفر منظَّم" إلى أفريقيا تحت قيادته، وأعرب 70 مغربيا عن رغبتهم في مرافقته، لكن "عراقيل ارتبطت بوكالات الأسفار وشرطة الحدود حالت دون ذلك".
مضى فقط يومان على ذلك، وانطلق محمد وحيدا من العاصمة الرباط باتجاه أفريقيا، حيث سيزور خلال شهرين ونصف الشهر 6 دول عاش فيها مغامرات يقول إنها لن تفارق ذاكرته مدى الحياة. في طريقه حط الرحال بمدينة الداخلة (جنوب المغرب) لزيارة والديه، اللذان صُدِما بما كان مقْدِما على فعله.
"بداية المغامرة"
كان بحوزته حوالي 400 دولار أميركي فقط، وحقيبة سفر حمَّلها بخيمة، وسجادة للنوم عليها، وكاميرا للتصوير، وبعض الأدوية والروايات لتؤنسه خلال رحلته. الملابس لم يهتم محمد بشأنها، وحمل معه حذاء رياضيا يتيما.
جل رحلة محمد كانت سيرا على الأقدام، وأحيانا كان بعض الأشخاص يتعاطفون معه ويقِلُّونه بسياراتهم إلى وجهاته. يحكي: "من مدينة الداخلة أقلتني شاحنة إلى حدود موريتانيا. انتظرت هناك لساعات، قبل أن أحصل على الفيزا. قضيت هناك 4 أيام، لم تكن جيدة على الإطلاق بسبب تعامل الموريتانيين السيء معي".
"كاد يقتلني الإفواريون"
بعد ذلك، زار محمد السنغال وغامبيا ومالي وبوركينا فاسو وساحل العاج. هذه الأخيرة عاش فيها أحداثا ممتعة، أكثرها شدا للانتباه معاينته لساحر إيفواري وهو يوقف الأمطار عن التساقط، لكنه عاش هناك أيضا واقعة ظن خلالها أن تلك نهايته. يحكي: "كنت متجها إلى مدينة بسام الإيفوارية على متن سيارة رغب صاحبها في مساعدتي. وفي الطريق داهمنا 8 أشخاص، أوقفوا السيارة، ووضعوا تحت عجلاتها حواجز حديدية، وأخرجوا سيوفا وبدأوا يصرخون".
نزل إليهم سائق السيارة، وبدأ يبكي ويتوسل إليهم، وهو ما زاد من توتر محمد. وبسبب فرنسيتهم السريعة، لم يفهم محمد شيئا من الحوار الذي كان يدور بينهم وبين السائق، لكنه بدأ يشك في أن الأمر يخصه بعد أن سمعهم يرددون كثيرا كلمة Le blanc (أي الأبيض)، لتتأكد شكوكه عندما طلبوا من السائق، لاحقا، أن يتركه معهم ويرحل.
"كنت أظن أنهم سيقتلونني، لكنني شعرت أنني أُلامس الحياة من جديد، بعد أن أخبرني السائق أن سبب هجومهم على السيارة هو عدم التزامه بقانون البلاد، الذي يمنع على أي إيفواري أن يُقِلَّ سائحا أجنبيا على متن سيارته دون الحصول على رخصة من مصلحة حكومية تُعنى بذلك"، يعود محمد بذاكرته إلى ذلك الحدث الذي بصم في حياته، وانتهى بدفعه 180 درهما (حوالي 19 دولارا أميركيا) لأولئك الجماعة لتتركه يغادر سالما.
قبل أن يستهِلَّ محمد رحلته، تزوَّد من مدينة الداخلة ببعض القطاني والعجائن والشاي والثمور، ولم يكن يشتري من الدول الأفريقية التي زارها إلا الخبز وبعض المأكولات المحلية الشعبية، لكن في طريق عودته إلى المغرب كان قد خسر كل أمواله واستنفد زاده، وكاد الجوع أن يقتله.
يحكي: "في طريق العودة، وتحديدا في الحدود السنغالية الموريتانية، لم يعد بحوزتي لا أكل ولا نقود، وحاصرني الجوع الشديد لمدة 3 أيام، حتَّى وجدت كومة من الخبز المجفف مرميا على حافة الطريق. ذكَّرني بأنني أملك بعضه في حقيبة سفري، فسارعت إلى إخراجه وبدأت أبلله بالماء وأتناوله والسعادة تغمرني".
تجربة جعلت محمد يقتنع أكثر بأن الإنسان لا يعرف قيمة ما يملكه إلا بعد فقدانه له، مثلما أبعد الخوف عن حياته وجعلته يقبل على الحياة بجرأة أكبر، بعد أن عاش نصف يوم رفقة أسود وتماسيح دون حواجزَ مخاطرا بحياته في إحدى القرى الأفريقية.
يقول محمد إنه اكتشف أن السعادة "لا تتحقَّقُ بالمال أو بالمظاهر"، بعد أن عاش مع أفارقة فقراء يستمدُّونها من البساطة، ولا يقدِّسون الماديات بقدر ما يقدسون إنسانيتهم.
"من الحب ما قتل"
رغم التجارب الخطيرة التي عاشها محمد في أفريقيا، عاد منها سالما إلى المغرب، لكنه لم يكن يعلم حينها أن له موعدا مع تجربة شبيهة بالموت سببها ولعه بالسفر وتسلق الجبال.
في سبتمبر الماضي، كان محمد يصوِّر فيلما وثائقا بمنطقة أقشور الجبلية (شمال المغرب). سكريبت الفيلم تضمن قفزة لمحمد من قمة شلال مائي. قفز بشكل غير صحيح، وكانت النتيجة ارتطام رأسه بصخرة تحت الماء، يقول إنها "قسمت الجزء الأمامي من رأسه إلى نصفين"، وأدخلته في غيبوبة.
بعد مروره من تلك التجربة الصعبة ومغادرته للمستشفى، شارك في ديسمبر المنصرم في مسابقة دولية للمغامرين تنظمها مؤسسة سويدية، وحاز على المركز السادس، بحسب قوله، وهو أيضا مرشح للفوز بجائزة 'ماروك ويب أووردز' عن فئة السفر. قناعة يختصرها محمد في جملة ترد كثيرا في كلامه: "الحياة لا تستحق أن تعاش، إذا لم نفعل ما نحب".
المصدر: أصوات مغاربية