تحتفي منظمة الأمم المتحدة، في الحادي والعشرين من فبراير، بـ "اليوم الدولي للغة الأم"، معتبرة أنها من المقومات الجوهرية للهوية، وركيزة أساسية في الاتصال والاندماج الاجتماعي والتعليم والتنمية". كما حذرت من أن ما لا يقل عن 43 في المائة من اللغات المحكية حاليا في العالم، والبالغ عددها 7000 لغة، معرضة للاندثار.
بهذه المناسبة، تسلط "أصوات مغاربية" الضوء على أصول العامية المحكية في المغرب، والعوامل التي ساهمت في تشكُّلها.
عيوش: يصعب التحديد
يقول عضو اللجنة الدائمة للمناهج بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بالمغرب، نور الدين عيوش، "إنه من الصعب تحديد ظروف تَشكل اللهجات المحكية في المغرب".
في المقابل، يوضح عيوش، الذي يعد من أبرز المدافعين عن إدراج العامية في التعليم، أن ما يمكن قوله هو إن العامية المغربية "مزيج من الكلمات أصلها من العربية الفصحى والأمازيغية"، مبرزا "أن الكلمات الواردة في العامية المغربية، والتي ليست مستنبطة من العربية أو الأمازيغية، فإنها من اشتقاق مغاربة بناءً على الثقافات الأجنبية التي كانت منتشرة في المناطق المغربية التي عاشوا فيها".
"هناك كلمات كثيرة مشتركة في مختلف اللهجات المغربية، لكن سكان الريف وضعوا لمستهم، وكذلك كان الأمر بالنسبة لسكان الشمال والجنوب والوسط، ولذلك نجد اختلافات طفيفة بين اللهجات المغربية"، يوضح عيوش.
الراضي: أغلبها من شبه الجزيرة العربية
من جانبه، يقول الأستاذ الباحث في معهد الدراسات والأبحاث للتعريب، محمد الراضي، إن أصل العامية المغربية يعود إلى مزيج من الثقافات والحضارات القديمة والإثنيات التي مرَّت من المغرب، لكن "الجزء الأكبر من العامية المغربية قدِم من شبه الجزيرة العربية وليس من الأمازيغية".
ويردف الراضي، في تصريح لـ "أصوات مغاربية"، أن أساس العامية المغربية هو العربية التي كانت تتحدثها قبائل بني سليم وبني معقل وأدخلتها إلى المغرب عندما قَدِمت إليه من شبه الجزيرة العربية"، مبرزا "أن العربية التي أدخلتها تلك القبائل إلى المغرب لم تكن عربية القرآن، بل عربية محلية كانت خاصة بهم".
ويوضح الراضي، في تصريح لـ "أصوات مغاربية"، أن العامية المغربية "التي كانت سائدة في القرون الوسطى تختلف تماما عن تلك المتداولة حاليا، إذ تطورت وأُدخِلت عليها كلمات جديدة تنسجم مع طرق العيش في كل حقبة زمنية مرَّ منها المغرب".
عصيد: تركيبها أمازيغي
"العامية المغربية تولَّدت نتيجة تفاعل تاريخي طويل المدى بين الأمازيغية، اللغة الأصلية لسكان شمال أفريقيا، والعربية التي قدمت إلى المغرب عن طريق القبائل المسلمة التي استوطنته"، يصرح الباحث الأمازيغي المغربي، أحمد عصيد.

ويضيف عصيد، في حديث مع "أصوات مغاربية"، أن معجم العامية المغربية عربي، لكن منطق التفكير فيها أمازيغي محض، موضحا أن العربية ساهمت بالكلمات، في حين ساهمت الأمازيغية بالبناء والتركيب.
"مثلا، من بين عبارات العامية المغربية، نجد عبارتي 'اللحم أخضر'. هما كلمتان عربيتان، لكنهما لا تحيلان في العامية المغربية على أن لون اللحم أخضر، بل على أنه نيئ، وهذا المعنى أصله أمازيغي لكن بكلمات عربية"، يوضح عصيد لـ "أصوات مغاربية".
كما يفيد عصيد "بأن المغاربة يستعملون مجموعة من الكلمات في لهجتهم المحكية أصلها أمازيغي، لكنهم لا يعلمون ذلك. ويَذكر منها "الساروت" (أي المفتاح)، و"الصميقلي" (البرد القارس)، و"صَيْفْطْ" (أي أرسل)، و"بْرَا" (أي رسالة).
ويبين عصيد، أيضا، "أن العامية المغربية طُعِّمت عبر التاريخ بكلمات من الفرنسية والإسبانية، نتيجة استعمار تلك الدول للمغرب"، موضحا: "كلمة 'رويدة' التي تَعني في العامية المغربية عجلة أصلها إسباني، وكلمة 'فالطة' التي تقابل الخطأ في العامية المغربية أصلها فرنسي".

المصدر: أصوات مغاربية