15 سنة مرت على صدور مدونة الأسرة المغربية، التي أشادت كثير من الحقوقيات بمضامينها واعتبرنها في ذلك الوقت بمثابة "ثورة هادئة".
غير أن تلك "الثورة" صار يُنظر إليها اليوم كقانون يستدعي التحيين والتعديل ولم لا التغيير، وذلك لتجاوز "نواقصه"، "سلبياته" بل وحتى "تناقضاته".
"البعض، بعيون الآن، يعيبون على الحركة النسائية تثمينها لمدونة الأسرة حين صدورها"، تقول الناشطة الحقوقية والرئيسة السابقة لفدرالية رابطة نساء المغرب، فوزية العسولي، قبل أن تردف مؤكدة أن مجموعة من مقتضيات مدونة الأسرة كانت تشكل بالفعل "ثورة هادئة" في ذلك الوقت.
في الوقت نفسه، شددت العسولي وغيرها من المتدخلين في ندوة صحافية نظمتها فدرالية رابطة نساء المغرب، مساء أمس الجمعة، على ضرورة مراجعة مدونة 2004، على أن يتم خلال المراجعة التخلص من "الفقه التراثي" و"الماضوي" الذي يحول وفق عدد من المداخلات دون تحقيق مبدأ المساواة بين الجنسين.
تغيير جذري
التحيين، التعديل، الإصلاح، المراجعة، والتغيير، كلها مصطلحات تستخدمها العديد من الحقوقيات اليوم للتعبير عن مطلب ضرورة إعادة النظر في مدونة الأسرة حتى تتلاءم مع المرجعية الدولية لحقوق الإنسان وتواكب الواقع الراهن.
الأستاذة الجامعية والناشطة الحقوقية، فريدة بناني، تشدد على أهمية ضبط المصطلحات المستعملة في هذا الإطار، مبرزة ضرورة القيام بـ"التغيير الجذري لكل مقتضيات مدونة الأسرة".
المتحدثة التي ترى أن مدونة 2004 ما هي إلا تعديل لمدونة الأحوال الشخصية لسنة 1957، شددت على ضرورة "تشريع قانون أسري يقوم على المساواة فقط ووضع حد للتعايش بين المساواة والإنصاف"، بشكل سيسمح للمغرب بالوفاء بالتزاماته الدولية في المجال.

مع ذلك نبهت بناني إلى أن هذا الأمر "لا يمكن تحقيقه مادامت مرجعية هذا القانون غير موحدة ومستمدة من أربعة ينابيع فكرية، وما دام هناك تذبذب بين الماضي والحاضر، بين الاستمرارية والتغيير، وبين الفقه الإسلامي الماضوي الذي وجُد في زمان ومكان معينين والفقه المعاصر الذي هو الاجتهاد".
في المقابل، أكدت المتحدثة ضرورة الاعتماد على "الاجتهاد الفقهي المبني على مبدأ المساواة بين النساء والرجال" و"تجديد فهم الآيات القرآنية الكريمة على ضوء الواقع أي تأويلها طبقا لحاجيات العصر ومستجداته".
عائق "الفقه التراثي"
من الممكن بسهولة إثبات نسب الطفل المولود خارج إطار الزواج لأبيه بمجرد إقرار هذا الأخير بالأبوة، بينما تواجه المرأة عراقيل كثيرة في إثبات أبوة رجل ما لابنها حتى وإن تسلحت بفحص الـDNA.
إنها الإشكالية التي طرحها عدد من المتدخلين خلال ندوة أمس، بما فيهم المفكر والحقوقي أحمد عصيد الذي يرى أن "هناك شرخا كبيرا بين واقع المرأة الذي تثبت فيه كفاءتها وتفوقها وبين الحكم عليها والنظر إليها"، مشددا على ضرورة "ردم" ذلك الشرخ عند مراجعة مدونة الأسرة.

في الوقت نفسه، يؤكد عصيد أنه "يستحيل أن تتم مراجعة شاملة وعميقة لمدونة الأسرة في إطار الفقه التراثي"، مبرزا في السياق عددا من خصائص ذلك الفقه التي تحول دون إمكانية القيام بذلك النوع من المراجعة.
فهذا الفقه، يقول عصيد "يعتبر الدين نظاما عاما وليس مجرد اعتقاد شخصي"، ويفهم "الخصوصية" على أنها "انغلاق وليس انفتاح"، بالإضافة إلى أنه "يعطي الأولوية للنص على الإنسان".
انطلاقا من كل ذلك فإن المتحدث عبر عن ضرورة تجاوز "الفقه التراثي"، وأكد في المقابل على أن هناك حاجة لـ"أنسنة الوعي الديني".
قابلية للتطور
في الوقت الذي يتعامل البعض مع النصوص القانونية وخاصة نصوص مدونة الأسرة كـ"نصوص ثابتة" فإن الواقع يؤكد خلاف ذلك، وهو ما يعكسه على سبيل المثال، مضمون المادة 156 من المدونة.
ففي جزء من تلك المادة، جاء أنه "إذا تمت الخطوبة، وحصل الإيجاب والقبول وحالت ظروف قاهرة دون توثيق عقد الزواج وظهر حمل بالمخطوبة، ينسب للخاطب للشبهة".
وانطلاقا من مضمون هذه المادة يؤكد عضو نادي قضاة المغرب، أنس سعدون، أن "مدونة الأسرة مثلها مثل أي قانون تخضع بدورها لخاصية التطور والتحول".

ويتابع المتحدث موضحا، أنه في بداية ثمانينيات القرن الماضي، ظهرت فتوى للفقه المعاصر تفيد بـ"تطور مفهوم الخطوبة وأنه بالتالي في حال وقوع حمل قبل توثيق الزواج، ينسب المولود للخطيب للشبهة".
مجموعة من المحامين اعتمدوا على تلك الفتوى لإثبات نسب الأطفال المولودين في فترة الخطوبة، غير أن محكمة النقض، (المجلس الأعلى حينها)، يقول سعدون "أبطل الأحكام المستندة إلى تلك الفتوى وقال إن الولد للفراش، وذلك اعتمادا على الفقه المالكي ومدونة الأحوال الشخصية".
ولكن المثير، أن ذلك الاجتهاد الذي تم تجاهله سابقا استنادا إلى الفقه المالكي وإلى مدونة الأحوال الشخصية، تم تبنيه في مدونة 2004، ما يعني أن هناك قابلية للتطور على أساس الاجتهادات الفقهية المعاصرة.
المصدر: أصوات مغاربية