Logos

أصوات مغاربية الآن علي موقع الحرة

اضغط. هنا لزيارة موقع الحرة

رضوان المكلف بالقلي في مطعم الوزانية
رضوان المكلف بالقلي في مطعم الوزانية

في جيبك خمسة دراهم (نحو نصف دولار أميركي)؟ يمكنك هنا أن تتناول وجبة تُشبع جوعك.

يكفي أن تقصد "مطاعم الدراويش" في المدينة القديمة بالرباط. محلات ضيقة المساحة، تطعم كل يوم بطون عشرات المياومين وعمال البناء وحراس الأمن الخاص والطلبة، وغيرهم من المغاربة الذين لا يتجاوز دخلهم اليومي 50 درهما (حوالي 5 دولارات).

"الوزانية".. منذ 1990 

مطعم "الوزانية" أحد تلك المطاعم. الأخير مكون من حجرة صغيرة جدا، توضع داخلها صناديق المشروبات الغازية، وسمك السردين والخضروات، ومعدات القلي والأواني وتجهيزات المحل. وأمام باب الحجرة في الشارع، مقلاة حديدية سوداء كبيرة، وطاولة تُرَصُّ فوقها المأكولات التي يقدمها المحل.

مطعم الوزانية، أحد مطاعم الدراويش في المدينة العتيقة بالرباط
مطعم الوزانية، أحد مطاعم الدراويش في المدينة العتيقة بالرباط

​​افتُتح المطعم في بداية تسعينيات القرن الماضي، ويديره شباب ينحدرون من مدينة وزان (شمال المغرب).

في كل يوم على التاسعة صباحا، تبدأ رائحة القلي تفوح من هناك. مصدرها المقلاة الحديدية التي يلقَى فيها السمك ومجموعة من الخضروات والمقليات المغربية الشعبية.

مقليات في مطعم الوزانية بالمدينة القديمة بالرباط
مقليات في مطعم الوزانية بالمدينة القديمة بالرباط

​​المشرف على مقلاة "الوزانية" يدعى رضوان. أتى إلى الرباط سنة 2012، لمجاورة أخيه الأكبر في العمل بذلك المطعم. خلال أيامه الأولى بالمكان، لم يكن الشاب يستطيع تحمل حرارة المقلاة، لكنه صار الآن قادرا على تحمل صهدها ونقط الزيت الساخنة المتطايرة منها 12 ساعة في اليوم.

يقول لـ "أصوات مغاربية": "عندما أنظر إلى هذه المقلاة، أرى في زيتها الساخن مصدر رزقي، وأرى فيه كذلك وجوه الفقراء الذين تُطعِمهم المقلاة كل يوم".

باذنجان يقلى في مقلاة مطعم الوزانية
باذنجان يقلى في مقلاة مطعم الوزانية

​​يتوقف قليلا عن الكلام، ليلقي بعضا من حبات الفلفل الأخضر في المقلاة، ثم يردف: "وقود هذه المقلاة 20 لترا من الزيت كل يوم، تقلى فيه أكثر من 100 سمكة سردين، وما يعادل ذلك من كل صنف من الخضراوات، التي نقدمها مقلية للطلبة وعمال البناء والبائعين المتجولين وفئات أخرى، لا يربحون في اليوم الواحد من المهن التي يزاولونها أكثر من 50 درهما، وهذا المبلغ لن يُؤمِّن لهم وجبة بسيطة في محلات الأكل السريع".

مأكولات "الدراويش"

سمك السردين، الفلفل الأخضر، الباذنجان، البيض المقلي، "المعقودة" (بطاطس مسلوقة مخلوطة بتوابل مغربية)، والسلطة المغربية المشكَّلة من الطماطم والبصل. هذا ما يقدمه "الوزانية"، والمطاعم المشابهة له، لـ"الدراويش" الذين يقصدونه.

تقطع رأس سمكة السردين، وتُزال منها الأحشاء، ثم تُملأ بالبهارات المغربية، وتمر على الطحين، قبل أن تغوص في زيت المقلاة.

وتباع السمكة الواحدة من السردين بدرهمين (أقل من ربع دولار)، والأمر نفسه بالنسبة للقطعة الواحدة من الفلفل الأخضر، والطبق البلاستيكي الصغير الممتلئ بالسلطة المغربية.

فلفل أخضر وباذنجان مقليان في مطعم الوزانية
فلفل أخضر وباذنجان مقليان في مطعم الوزانية

​​الباذنجان يقطَّع إلى أجزاء مدورة، الجزء الواحد منها بدرهم مغربي، والثمن نفسه تباع به القطعة الواحدة من الباذنجان و"المعقودة" وأيضا الخبز.

أكلة المعقودة في مطعم الوزانية
أكلة المعقودة في مطعم الوزانية

​​لكن تلك الأسعار تلغى عندما يقف أمام مقلاة المطعم فقير ليس في جيبه مال. يقول رضوان: "كل يوم، يأتينا أشخاص جائعون لا يتوفرون على مال، فنطعمهم إلى أن يشبعوا دون أن يدفعوا. الجميع يأكل، ولو مجانا".

إلى جانب رضوان، يشتغل في المطعم ثلاثة شبان آخرين. هؤلاء يتقاضى كل واحد منهم 70 درهما (نحو 7 دولارات) في اليوم، ويتغدون على نفس الأكلات التي يقدمها المطعم.

أحدهم مكلف بغسل الصحون وتنظيف المحل، فيما يقدم الآخران الأكلات للزبناء. يَفرشان الخبز بـ "الهريسة"، قبل أن يضعا داخله ما يختاره الزبون من خضروات مقلية، إلى جانب سمك السردين طبعا. ويجري ذلك وهما يتحاوران مع الزبناء في مواضيع شتى، تشمل أحيانا مشاكل هؤلاء.

غداء أسرة بدولارين

طاولتان وبعض الكراسي البلاستيكية فقط، هو ما يوفره "الوزانية" لزبنائه، فيضطر بعضهم إلى الجلوس فوق صناديق بلاستيكية للمشروبات الغازية، أو يأخذونها ويغادرون.

شكيب واحد من "دراويش" الرباط، الذين يُسكِتون أصوات جوع بطونهم بمقليات مطعم "الوزانية". يعمل حارس أمن خاص في العاصمة. ولا يدفع سوى 8 دراهم (حوالي دولار أميركي)، مقابل غداء مشكَّل من الخبز و"المعقودة" والبيض والباذنجان المقليين وقليل من السلطة المغربية، إلى جانب "الهريسة" والصلصة.

مغاربة من فئة الدراويش يتغدون في مطعم الوزانية
مغاربة من فئة الدراويش يتغدون في مطعم الوزانية

​​لا يُخفي شكيب أن الدافع الأول وراء قدومه إلى ذلك المطعم هو أسعاره المناسبة، لكن ثمة دوافع أخرى. يقول لـ "أصوات مغاربية": "ما أتناوله هنا من أكل يطبخ أمامي، عكس المطاعم العصرية، التي تطلب فيها الأكل فيأتيك وتتناوله، دون أن تعرف ظروف تحضيره".

مبلغ 20 درهما (حوالي دولارين) ربما لن يؤمن لحامله مشروبا غازيا من الحجم الصغير في مطعم عصري أو محل لوجبات الأكل السريع وسط الرباط، لكنه وفر في "الوزانية" وجبة غداء لمبارك، زبون المطعم منذ 3 سنوات، وزوجته وطفلهما.

يقول مبارك: "أشتغل حارس مدرسة إعدادية في مدينة سلا (بجوار العاصمة)، وإذا تناولت وجبة الغداء رفقة زوجتي وابني في مطعم عصري بالرباط، سنضطر إلى دفع 80 درهما (حوالي 8 دولارات) عن كل فرد". يداعب ابنه قليلا، ثم يكمل: "إذا دفعت ذلك المبلغ، يجب أن أتوقف وأسرتي عن تناول الطعام لمدة 3 أيام متتالية، لإعادة التوازن إلى ميزانية البيت المالية".

مغاربة من فئة الدراويش يتناولون أكلات مطعم الوزانية
مغاربة من فئة الدراويش يتناولون أكلات مطعم الوزانية

​​غير بعيد عن مبارك، قابلت "أصوات مغاربية" محمد. الأخير يرتاد المطعم منذ أن كان لا يزال موظفا في أحد البنوك المغربية قبل أن يتقاعد. ويخصص محمد ميزانية مالية يومية لوجبة الغداء قدرها 12 درهما (دولار أميركي وربع)، تقدَّم مقابلها لمعدته "وجبة دراويش نقية"، بحسب تعبيره.

سردين ومقليات مطعم "الوزانية" لا تشد إليها بطون "الدراويش" فقط، بل تغري أحيانا زبناء من نوع خاص يشكلون الاستثناء. يكشف رضوان: "مرَّ من هنا الممثل والمسرحي المغربي، محمد الجم، والممثلان هشام الوالي وعيزون عبد القادر، وغيرهم من المشاهير، لكن معاملتنا للجميع واحدة لا فرق فيها".

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة