قبل أسابيع قليلة، انتهت المهلة التي كانت متاحة لتوثيق ما يسمى في المغرب بـ"زيجات الفاتحة" في إطار المادة 16 من مدونة الأسرة المغربية، والتي تم تمديد العمل بها حتى وصلت إلى 15 سنة، مع العلم أن المهلة لم تكن تتجاوز حين صدور المدونة خمس سنوات فقط.
وكانت آراء مجموعة من الحقوقيين قد طالبت سابقا بوقف العمل بتلك المادة، معللين ذلك باستغلالها للقفز على شروط التعدد ولتزويج القاصرات.
غير أنه مع نهاية المهلة المرتبطة بإجراء مسطرة ثبوت الزوجية، تُطرح عدة تساؤلات حول الوضعية القانونية لزيجات الفاتحة ومصير الأطفال الناتجين عنها.
وكانت منظمة "ماتقيش ولدي"، المدافعة عن حقوق الأطفال، قد طالبت الحكومة بـ"الأخذ بعين الاعتبار وضعية القاصرين المزدادين في إطار علاقة زوجية حكمها المتعارف عليه وليس القانون خاصة في المناطق النائية".
وقالت "ماتقيش ولدي" في بيان، إنها "تتبع بقلق كبير الوضعية القانونية للأطفال القاصرين المزادادين في علاقة زوجية مستندة على زواج الفاتحة بعدما أنهت الحكومة الأخذ بثبوت الزوجية المبنية على الزواج التقليدي ومعاناة هؤلاء القاصرين إزاء وضعيتهم المدنية".

استغلال سلبي
"إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته، تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الإثبات وكذا الخبرة"، هذا ما نصت عليه مدونة الأسرة المغربية الصادرة عام 2004.
وتبعا لذلك تم فتح مهلة للعمل بسماع دعوى الزوجية لمدة خمس سنوات، ليجري لاحقا تمديدها في مناسبتين، حتى وصلت إلى 15 سنة.
مجموعة من الفعاليات الحقوقية لطالما عبرت عن رفضها تمديد العمل بتلك المادة، وذلك من منطلق 'التجاوزات' التي كانت تتم تحت غطائها.
المحامية والحقوقية، فتيحة اشتاتو، تشدد على رفضها استمرار العمل بتلك المادة، وتفسر ذلك بما تم تسجيله من ملاحظات في تطبيقها، حيث "صارت تستغل من أجل القيام بالتعدد ولتزويج القاصرات".
وتتابع اشتاتو، تصريحها لـ"أصوات مغاربية"، مبرزة أن تلك المادة "وُضعت أساسا من أجل حماية حقوق الأطفال"، وذلك بتوثيق الزيجات التي "حالت ظروف قاهرة" دون توثيقها، حيث كان من المفترض أن تستفيد منها الزيجات السابقة لصدور المدونة.
ولكن التطبيق، أظهر عددا من الإشكالات، حيث بات يتم "التحايل" باستعمال تلك المادة، لتحقيق مآرب بعيدا عن الأهداف التي وضعت من أجلها.
من جانبه، يرى، المحامي، محمد الشمسي، أن المشكل ليس في العمل بالمادة 16 أو وقف العمل بها، بل إن المشكل يكمن في طريقة تطبيق تلك المسطرة، ذلك أنها "فتحت المجال ليستفيد منها أي كان"، وهو ما أدى، وفق ما يوضحه ضمن تصريحه لـ"أصوات مغاربية"، إلى "القفز على المكاسب التي أتت بها مدونة الأسرة"، ومن بينها ما يتعلق بشروط التعدد.
إشكال قانوني
في الخامس من شهر فبراير الماضي، انتهت المهلة التي تنص عليها مدونة الأسرة للعمل بدعوى سماع الزوجية.
وكانت وزارة العدل، قد أصدرت أياما قليلة قبل ذلك بلاغا وجهت من خلاله نداء إلى "المواطنين المعنيين الذين لم يوثقوا عقود زواجهم’، قصد ‘الإسراع بتقديم طلباتهم أمام المحكمة المختصة قبل إنقضاء الفترة الإنتقالية’، وذلك ‘حفاظا على حقوقهم وحقوق أطفالهم".
اليوم، وبعد نهاية تلك المهلة، ووقف العمل بتلك المسطرة، تطرح تساؤلات عديدة حول الوضع القانوني لزيجات الفاتحة التي لم توثق بعد، خصوصا وأن مدونة الأسرة تنص على أن "وثيقة الزواج تعتبر الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج".
وفقا للمحامي الشمسي، فإن تلك الزيجات، "تعتبر علاقات غير شرعية"، ولذلك فهي "تهدد هوية المولودين"، لأنه "يستحيل تسجيلهم في الحالة المدنية نسبة إلى أب وأم لا يجمعهما عقد زواج" كما أنها "تهدد مصالح الأطراف في حالة الوفاة".

الرأي نفسه يعبر عنه المحامي، خالد الإدريسي، الذي يوضح أن تلك الزيجات في نظر القانون هي "علاقات غير شرعية لا ترتب أي أثر"، وهو ما قد يلحق ضررا بأطرافها، خاصة الأطفال، ولو أن هناك إمكانية اللجوء إلى مسطرة ثبوت النسب.
وحسبما يوضحه المتحدث في تصريحه لـ"أصوات مغاربية"، فإن وجود المقتضى الذي يعتبر العقد وسيلة لإثبات الزواج، مع استمرار زيجات الفاتحة، سيطرح إشكالا قانونيا، وذلك في ظل وقف العمل بمسطرة ثبوت الزوجية التي يرى أنه كان يجب تقييد الاستفادة منها بشروط معينة حتى لا تستغل على نحو سلبي، بدل تقييدها بأجل زمني.
في الوقت نفسه، ولتجاوز ذلك الإشكال، يرى الإدريسي، أن "القضاء ربما قد يتدخل بجرأة لإيجاد أساس آخر غير الفصل 16" لحماية حقوق المتضررين في هذه الحالة وعلى رأسهم الأطفال.
المصدر: أصوات مغاربية