أثارت تصريحات مدير البحوث بالمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، فرانسوا كَزافيي فوفيل، التي تُكذّب زيارة الرحالة ابن بطوطة إلى الصين وروسيا وتنزانيا نقاشا، بين من اعتبرها إهانة للرحالة المشهور وبين من دعا إلى التحقق من هذه الاتهامات.
هل كذب ابن بطوطة؟
قال فرانسوا كَزافيي فوفيل، وهو عالم أركيولوجيا متخصص في إفريقيا القديمة، إن "ابن بطوطة كذب حينما ادعى زيارة روسيا والصين وتنزانيا ومالي".
وأوضح كزافيي فوفيل، في ندوة بـ"أكاديمية المملكة المغربية" في الرباط الأربعاء الماضي، أن "ابن بطوطة ذهب إلى بلاد فارس والهند والصومال والمالديف لكنه لم يزر مناطق ادعى زيارتها".
وسحب فوفيل فكرته على عدد من رحالة القرون الوسطى قائلا: "جميع رحالة القرون الوسطى يكذبون بنفس الطريقة، ولكن كذبهم يعلّمنا شيئا وهو أن العالم بالنسبة لهم يفكّر فيه ككلّ متمفصل وقابل للسفر، حتى ولو كان هذا السفر غير قابل للممارسة".
وليست هذه المرة الأولى التي يشير فيها فوفيل إلى ما اعتبره تلفيقا وقع في معطيات رحلة ابن بطوطة، إذ سبق أن أبدى مواقف مماثلة سابقا.
هذا الطرح الذي أثار نقاشا بين أكاديميين رد عليه مدير المركز العربي للأدب الجغرافي، نوري الجراح، قائلا إن ما جاء به الباحث الفرنسي "مجرد كلام لا يستند على أية حقائق علمية".
وأضاف الجراح، وهو المشرف على لجنة تحكيم جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة: "إذا أراد (الباحث الفرنسي) أن نمنحه الأدلة التي تؤكد زيارة ابن بطوطة للصين يجب أن يمنحنا الأدلة التي انطلق منها ليتهم ابن بطوطة بالكذب".
واعتبر الجراح، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن الرد لا يمكن أن يكون إلا من خلال بحث علمي معمق.
وشدد المتحدث على أن فوفيل "لا يمكنه أن يشكك في نص ابن بطوطة إلا بمعطيات دقيقة وحقيقية وليس بالكلام الذي لا يستند إلى أي بحث علمي".
وعن الأبحاث التاريخية التي يمكنها أن تنفي أطروحة الباحث الفرنسي، قال المتحدث: "لا يوجد كتاب يتحدث عن سفر ابن بطوطة إلى الصين لكن توجد أبحاث تدرس رحالات ابن بطوطة المختلفة وتتطرق بتفصيل لهذه الرحالات والتي يمكن للباحث أن يرجع إليها".
بين التحفظ والكذب
من جهة أخرى، قال الأديب والباحث المغربي في أدب الرحلة، شعيب حليفي، إن ما وصفه فرانسوا كَزافيي فوفيل بالكذب في الرحلات العربية، وخصوصا في العصر الوسيط، يمكن أن يكون "تحفظا وليس كذبا".
واعتبر حليفي أن "الباحث الحقيقي لا ينظر إلى النصوص بتقديس ولكن برؤية ثقافية ونسبية، كما أنه يجب أن يتعامل مع الرحلة أو غيرها كنسق ثقافي مفتوح على تأويلات تضيف ولا تتهم".
وأضاف المتحدث: "لا يمكن لأي باحث أن يجزم في موضوع جرى منذ القرن الرابع عشر الميلادي"، مؤكدا أن "هناك مؤشرات أخرى أقوى، منها أن الرحالة العرب لم يكونوا يخجلون من الإشارة إلى شيء لم يفعلوه أو اقتبسوه كما حصل في رحلات سابقة إلى الصين والهند مع السيرافي منذ القرن العاشر".
وأشار الباحث إلى أن "هناك رحلات مغربية وأندلسية لرحالين من المعاصرين لابن بطوطة وقبله وبعده اقتبسوها دون أن ينسبوها إليهم رغم أنهم زاروا تلك الأماكن.
وهنا يضرب حليفي المثل برحلة ابن فضلان في مطلع القرن العاشر إلى روسيا وما جاورها قائلا: "لا يمكن أن ندعي أنها هي الأخرى كذب أو ادعاء".
وشدد حليفي مؤلف كتاب "الرحلة في الأدب العربي" على أن ابن بطوطة "لم يكن في حاجة إلى الكذب، لأنه روى الرحلة باعتبارها نصا واحدا مترابطا اعتمد فيه بعد مرور ربع قرن على الذاكرة".
"لماذا لم يكذب الرحالة المغربي خالد البلوي الذي خرج في نفس السنة في رحلة إلى المشرق ولماذا لم يكذب ابن الخطيب وابن خلدون الذين عاصروه؟"، يردف المتحدث.
المصدر: أصوات مغاربية