حظي "الحراك" المنادي بالتغيير في الجزائر منذ انطلاقه في 22 فبراير الماضي بتأييد شعبي كبير بسبب مشروعية المطالب التي رفعها المحتجون والسلمية التي انتهجها الجزائريون خلال الاحتجاجات الكبيرة التي جابت شوارع المحافظات الـ 48.
لكن من الجزائريين من انتقد المسيرات انطلاقا من مقاربة دينية، على غرار التيار السلفي الذي اعتبر التظاهر ولو بطريقة سلمية "خروجا عن الحاكم المسلم" اعتمادا على فتوى الشيخ فركوس، زعيم التيار السلفي بالجزائر.
ورغم أن المناوئين للاحتجاجات لا يشكلون الأغلبية، إلا أنهم ينشطون بشكل مكثف على مواقع التواصل الاجتماعي، يدعون إلى ضرورة الكف عن "انتقاد الحاكم المسلم" وبإشراك أتباع السلفية لـ"إقناع" الشباب بالعدول عن فكرة الخروج للتظاهر لأن ذلك يعد وفقهم "خروجا عن مبدأ أساسي في الإسلام".
ولم ينجح هؤلاء في استقطاب الشباب كما حدث خلال سنوات التسعينيات، إلا أنهم يشكلون "عبئا على الحراك" في نظر أستاذ العلوم الاجتماعية بجامعة الجزائر رزقي جبريل.
ويتابع جبريل في حديثه لـ "الحرة" أن التيار السلفي "الذي يتخندق في صف السلطة في جميع البلدان ذات الأغلبية المسلمة يشكل رقما أساسيا في معادلة التغيير".
معنى ذلك، يردف جبريل "يجب التخلص من أفكاره حتى تنجح عملية التغيير السلمية".
فهل يعني نجاح "الحراك" حتى الآن تخلّص الجزائر من سطوة الفكر السلفي؟
ذات المتحدث يرى بأن نجاح "الحراك" يعني "تزايد الوعي بدور فعاليات المجتمع المدني في مسار التغيير" لكنه يؤكد أيضا أن ذلك يدل على "فهم الجزائريين بضرورة الانفلات من سطوة الفكر الرجعي الذي لا يقوم على أسس علمية".
يذكر أن السلطة في الجزائر حاولت خلال بداية الاحتجاجات تجنيد أئمة المساجد لإقناع الشباب بالعدول عن التظاهر كل جمعة، لكن المواطنين واجهوا الأئمة فوق منابرهم بل ومنهم من قاطع الخطبة و"جادل الإمام" ثم خرج.
من المصلين كذلك من "قاطع" الجمعة وخرج للصلاة بعيدا عن "إمام البلاط" كما ينعت الجزائريون الأئمة المعينين من طرف وزارة الشؤون الدينية والأوقاف.
لم يكن أحد يتوقع حدوث ذلك في الجزائر التي فاز بها حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ (إسلامي التوجه) سنة 1990 بأغلبية المجالس البلدية ثم فاز بأغلبية مقاعد المجلس الشعبي الوطني خلال الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية سنة 1991 قبل أن يوقف الجيش المسار الانتخابي وتدخل الجزائر في دوامة العنف المسلح سنوات التسعينيات (العشرية السوداء).
أستاذ العلوم السياسية بكلية العلوم السياسية والإعلام نجيب مرسلي يرى أن "الأحزاب التي تقوم على أسس عرقية ودينية بدأت تفقد الكثير من قوتها في الجزائر".
وفي مقابلة مع "الحرة" لفت إلى النتائج الهزيلة التي حققتها أحزاب سياسية ذات بعد ديني خلال الانتخابات الأخيرة، "صحيح أن شفافية الانتخابات مشكوك فيها، لكن ذلك لا يمنع من أن تكون مؤشرا على توجه الجزائريين"، قال مرسلي.
وأشر إلى أن الجزائري أصبح براغماتيا بفضل تجاربه السابقة، وعمليا أكثر بسب احتكاكه بما يحدث في الضفة المقابلة (أوروبا)، عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
الحديث عن تفشي الفكر السلفي في الجزائر أصبح من الماضي، بحسب نجيب مرسلي "شأنه في ذلك، شأن الحديث عن استغلال البعد الأمازيغي من طرف بعض الأحزاب".
يجزم مرسلي كذلك أن الجزائريين "أصبحوا يفرقون موضوعيا بين الإسلام كدين والإسلام السياسي كسلعة مغرية فقط".
المصدر: موقع الحرة