إذا كانت القاعدة القانونية بشأن سن الزواج في المغرب تنص على ضرورة أن يكون الراغبان في الزواج قد أتما 18 سنة، وذلك وفقا لما تنص عليه المادة 19 من مدونة الأسرة التي تقول بأن أهلية الزواج تكتمل "بإتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية 18 سنة شمسية".
فإن المادة 20 من نفس المدونة، تنص على استثناء يتمثل في إمكانية أن يأذن قاضي الأسرة المكلف بالزواج بـ"زواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية" المنصوص عليه في المادة السالفة، وذلك "بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي"، مؤكدة أن "مقرر الاستجابة لطلب الإذن بزواج القاصر غير قابل لأي طعن".
إلغاء هذا الاستثناء وتثبيت القاعدة القانونية هو الموضوع الذي تناوله ملتقى نظمه المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومجلس أوروبا، اليوم الجمعة، في الرباط.
ففتح باب هذا الاستثناء، "كان له أثر عكسي حيث كاد يصبح القاعدة"، تقول أرضية الملتقى، وهو ما يعكسه استمرار تزويج الأطفال القاصرين وخاصة الفتيات على نحو اعتبره عدد من المتدخلين مثيرا للقلق.
وضعية قاسية
الملتقى المنعقد هذا اليوم، يأتي تتويجا لحملة أطلقها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يوم السادس من مارس الجاري، في 13 لجنة جهوية لحقوق الإنسان، تضمنت تنظيم مجموعة من الأنشطة التحسيسية ذات الصلة بموضوع تزويج القاصرات.
رئيسة المجلس، أمينة بوعياش، شددت في بداية مداخلتها، على كون تلك الحملة "ناجحة بامتياز" لكونها "خلقت فضاءات للنقاش وإبداء الرأي حول الوضعية القاسية والمهينة التي يخلقها الاستثناء"، هذا الاستثناء الذي يحرم الأطفال، وفقها، من حقوقهم الأساسية.
وفي الوقت الذي يتم، "التضرع بالهشاشة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للإبقاء على تزويج القاصرات" تقول بوعياش إن "المتابعة الميدانية والشهادات المحصل عليها تخلص إلى أن تزويج القاصرات يساهم في تزايد الهشاشة وأحيانا يؤدي إلى وضعية الفقر المدقع"، مشيرة إلى أن "ثلث القاصرات المتزوجات لديهن طفل على الأقل".
وتتابع رئيسة بوعياش مؤكدة أن "تزويج القاصر لحل مشكل محدودية الدخل يعرض الفتاة لانتهاكات أكثر فظاعة، ويعرضها هي ونسلها لأخطار صحية كما يؤدي إلى انسداد آفاقها المستقبلية".
إقبال ملحوظ
بلغ عدد زيجات القاصرين في المغرب خلال السنة الماضية، 25 ألفا و514 عقدا وهو ما يعادل 9.13% من مجموع عقود الزواج، في مقابل 39 ألفا و31 عقدا في سنة 2011، أي 12% من مجموع عقود الزواج التي سجلت خلال تلك السنة.
هذه بعض المعطيات التي قدمها وزير العدل المغربي، محمد أوجار، ضمن مداخلته، والذي أوضح أن عدد تلك العقود يظل مرتفعا مقارنة بالطابع الاستثنائي لذلك النوع من الزيجات.
"ما نسعى إليه هو موضوع بالغ التعقيد لإيجاد التوازنات الممكنة بين التزاماتنا الدولية وبعض الظروف الاجتماعية القاهرة" يقول أوجار الذي نبه إلى أن "واقع المجتمع المغربي يشير إلى إقبال ملحوظ على تزويج الفتيات دون سن الرشد القانوني".
وأبرز المتحدث أن هذا الموضوع يحظى في الفترة الأخيرة بعناية أكبر "تعكس هما مجتمعيات وتحديا حقوقيا"، مشددا على ضرورة بذل مزيد من الجهود في مجال التوعية والتحسيس والتواصل المباشر مع المواطنين "بما يكفل القضاء نهائيا على هذه الظاهرة أو على الأقل التقليص منها إلى الحد الذي يعكس طابع الاستثناء".
ظاهرة مخيفة
قبل أسابيع قليلة، وخلال لقاء تناول عقوبة الإعدام، وصف المندوب الوزاري لحقوق الإنسان، أحمد شوقي بنيوب، الداعين لإلغاء تلك العقوبة بـ"الأقلية" معلنا أنه في صف تلك الأقلية.
وقد حرص بنيوب على استحضار موقفه ذاك، ليعلن، أنه اليوم، وخلافا لما سلف، في صف الأغلبية، وهو يؤكد أن "الأغلبية تريد إلغاء الاستثناء".
وتابع المتحدث مؤكدا أن "ما يشغل الأمهات والآباء هو أن تكون بناتهم أفضل منهم"، مبرزا أن "تعليم الفتاة ووصولها حلم مغربي راود الأجيال منذ الاستقلال".
من ثمة تساءل بنيوب "هل نعرف مسؤولا أو فاعلا في مجال خاص أو عام وازن يزوج ابنته القاصر؟" ليردف مؤكدا "أنا شخصيا لا أعرف".
كما تساءل إن كان الأمر يحتاج لعرض المزيد من الحجج والبراهين، مبرزا اكتفاءه بالإشارة إلى "ثلاثة اعتبارات تلخص مجمل الدفاع عن إلغاء الاستثناء" وفق تعبيره، من بينها، أن تعديل القانون في هذا الإطار، سيؤدي إلى تغيير الواقع المرتبط بهذه الظاهرة التي وصفها بـ"المخيفة" و"المقلقة" و"المتصاعدة".
المصدر: أصوات مغاربية