مثلما كان ميدان التحرير أيقونة الثورة المصرية ضد حكم الرئيس حسني مبارك، كذلك كانت ساحة البريد المركزي بالنسبة للحراك الجزائري، الذي انتهى بتحقيق أول مطالبه وهو رحيل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
موقع استراتيجي
منذ بداية الحراك في 22 فبراير الماضي اتّخذ المتظاهرون الجزائريون الجُمعةَ يوما للخروج في مسيرات مليونية، واتّخذوا من ساحة البريد المركزي في قلب العاصمة منبرا ردّدوا منه هتافاتهم ورفعوا فيه يافطاتهم الرافضة للنظام واستمرار حكم بوتفليقة.
واختار الجزائريون ساحة البريد المركزي لسبب رئيسي هو وقوعها في ملتقى شوارع مدينة الجزائر العاصمة وكأنّها تتوسّطها، كما أنها تقع على مقربة من مؤسسات رسمية أهمّها البرلمان بغرفتيه وقصر الحكومة وعدة وزارات منها الدّاخلية.
منذ بداية المسيرات توافق الجزائريون على التوجّه إلى ساحة البريد المركزي والبقاء هناك بداية من بعد صلاة الجمعة إلى ما قبل الغروب، وهم يردّدون شعاراتهم المطالبة بعدول بوتفليقة عن الترشح لعهدة خامسة وبعدما سحب ترشّحه طالبوه بالتنحّي نهائيا.
قصر فرنسي بروح جزائرية
لساحة البريد المركزي تاريخ يعود إلى حقبة الاستعمار الفرنسي. ففي سنة 1910 شرعت فرنسا في بناء قصر البريد المركزي، وأشرف على هندسته المعماريان الفرنسيان "فوانو" و"توندوار"، اللذان حرصا على أن يحافظ القصر على الهوية الجزائرية العثمانية سواء عبر الأقواس داخل وخارج البناء فضلا عن الزخارف الكثيرة والرائعة داخله.
وتعلو البناء الشاهق صومعتان صغيرتان ما يجعله أشبه بالمسجد، وقبل بناءه كان المكان يحتضن كنيسة أنجليكانية.
اكتمل بناء قصر البريد المركزي سنة 1913 وأطلقت عليه السلطات الاستعمارية يومذاك تسمية "البريد الجديد"، وكان يقع في ما يعرف بـ"الحي الأوروبي" لكونه مجاورا للشوارع التي يقطنها الفرنسيون الذين استوطنوا الجزائر بعد احتلالها في 1830.
اسم جديد
في سنة 1985 غيّرت السلطات الجزائرية تسمية البناء من "البريد الجديد" إلى "البريد المركزي"، وظلّ يقدّم خدمات بريدية للجزائريين إلى سنة 2015.
في هذه السنة أعلنت وزارة البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال تحويل مقر البريد المركزي إلى متحف كبير، لكونه أحد أبرز معالمها وقصورها التاريخية، ولاتزال الأشغال جارية به إلى الآن.
وظلت ساحة البريد المركزي قبلة لمختلف المظاهرات والحركات الاحتجاجية بسبب موقعه الاستراتيجي، حيث سبق أن اعتصم فيها معارضو العهدة الرابعة سنة 2014.
ولا يزال الجزائريون متمسّكين بالاعتصام في هذه الساحة كل جمعة، حتى بعد رحيل الرئيس بوتفليقة، ويعتزمون عدم مغادرتها إلى أن تتحقق مطالب 'الحراك' كاملة.
المصدر: أصوات مغاربية