لم يقصر المحللون السياسيون استخدام "نظرية الدومينو" التي ظهرت في خمسينيات القرن الماضي على تفسير انتشار الشيوعية فقط، فقد صلحت النظرية أيضا لتفسير ظواهر وأحداث لاحقة.
ونظرية الدومينو، هي نظرية سياسية حاولت تفسير سقوط دول بوسط وشرق أوروبا واحدة تلو الأخرى في شباك الشيوعية عقب الحرب العالمية الثانية، وتردد اسم النظرية مجددا مع اندلاع ثورات الربيع العربي في 2011، والتي بدأت من تونس ثم مصر فسوريا واليمن وليبيا.
وخلال الأيام القليلة الماضية سقط نظامان عربيان؛ ففي الجزائر ضغط الجيش بقوة على الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حتى تخلى عن منصبه، فيما عزل الجيش السوداني عمر البشير من منصبه ثم اعتقله وتحفظ عليه، وفق ما أعلن وزير الدفاع السوداني عوض بن عوف.
وفي خضم هذه التطورات تقفز أسئلة عديدة مثل: هل نشهد اليوم موجة جديدة من الربيع العربي؟ وهل نشهد انتقال تأثير الدومينو من دولة إلى أخرى ليطيح بأنظمة جديدة؟ أم أن ما نشهده حاليا هو حالة منفصلة؟
بارندولار: الوضع مختلف
مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز "ناشيونال إنترست" بواشنطن، غيلمان بارندولار، قال: "لا أعتقد إنها حلقة جديدة في الربيع العربي، فكل واحدة من هذه الدول تمر من وضع مختلف".
"ربما يسير الوضع في الجزائر مثلما سار في تونس، وإن كان استمرار السلطوية هو الأرجح. يبدو أن معظم الحكام في المنطقة راسخون في أماكنهم خلال الوقت الحالي"، يضيف بارندولار لـ"الحرة".ويفسر بارندولار بقاء الأنظمة بـ"إخفاق حكم الإخوان المسلمين في مصر، وبنماذج الفوضى في سوريا والعراق التي أضعفت بعض الحماس تجاه الثورة".
هودج: ليس ربيعا جديدا
الباحث في مركز "زوميا" للدراسات السياسية، جيرمي هودج، قال إنه "منذ انتهاء ما أطلق عليه في بادئ الأمر بالربيع العربي (أي الثورات في تونس ومصر وليبيا وسوريا والبحرين واليمن)، شهدت العديد من الدول الأخرى في المنطقة موجات مماثلة من الاحتجاجات وإن كانت أصغر وحظيت باهتمام إعلامي أقل".
"هذه الاحتجاجات كانت واسعة الانتشار، مثل مظاهرات المناطق القبلية السنية في العراق في عام 2013، و'احتجاجات القمامة' في لبنان عام 2015، ومظاهرات المغرب في 2016 بعد وفاة محسن فكري، ومظاهرات الأردن الأخيرة في 2018 ضد ارتفاع أسعار الوقود"، يضيف هودج لـ"الحرة".
لكن المتحدث يرى أن "من الخطأ الإشارة إلى أن ما يحدث في السودان أو الجزائر الآن هو مجرد إعادة انطلاق لما حدث في 2011-2012 في بلدان مثل مصر أو تونس أو سوريا، فالمظاهرات في الدول التي لم تشهد ربيعا عربيا، هي استمرار لمظاهرات وجهود لم تتوقف منذ سنوات للفت الانتباه للوضع السياسي والإنساني في تلك الدول".
هودج أوضح أن "الحركة الحالية في الجزائر والسودان هي تتويج لجهود طويلة مصحوبة بوعي متزايد في جميع أنحاء العالم العربي منذ ظهور وسائل التواصل الاجتماعي التي أظهرت الفوارق بين هذه الدول وغيرها من دول أخرى حول العالم".
كارسيك: تجاذبات سياسية خارجية
كبير المحللين في معهد دول الخليج للدراسات بواشنطن، ثيودور كارسيك، قال لـ"الحرة" إنه لا يرى أن ما يحدث في شمال إفريقيا الآن ربيعا عربيا، وإنما "سلسلة من الأحداث يحركها التجاذب السياسي بين دول الخليج العربي، وذلك من أجل الإطاحة بالنفوذ القطري والتركي من إفريقيا".
وأضاف كارسيك: "يجب العودة بالزمن إلى نهاية مارس الماضي، عند لحظة خروج أمير قطر من قاعة جلسة افتتاح القمة العربية بتونس، هذه كانت اللحظة التي بدأت فيها دول الخليج الأخرى بالدفع بأجندة إزاحة الإخوان المسلمين من شمال إفريقيا".
يذكر أن وسائل إعلام نقلت مغادرة الأمير القطري تميم بن حمد آل ثانيا للقاعة التي شهدت الجلسة الافتتاحية للقمة العربية في تونس يوم 31 مارس الماضي، بعدما تعرض لانتقادات من جانب زعماء عرب آخرين بسبب سياسات بلاده.
وأضاف كارسيك: "لقد رأوا فرصة ليس فقط لإطلاق حملة في موريتانيا ضد الأحزاب التابعة لجماعة الإخوان هناك، وإنما تدخلوا أيضا في الشأن الجزائري مؤخرا".
وختم كارسيك بقوله: "مجموعة الأهداف المعقدة لكلا الطرفين الخليجيين (قطر من جانب، والإمارات والسعودية والبحرين من جانب آخر) وصلت إلى نقطة تحول في شمال إفريقيا خلال الأسبوع الماضي".
المصدر: موقع الحرة