منذ ما يزيد عن شهر متواصل والأساتذة موظفو الأكاديميات الجهوية في المغرب، أو ما يعرفون بـ"الأساتذة المتعاقدين"، يخوضون إضرابا عن التدريس للضغط على الحكومة حتى تستجيب لمطلبهم بالإدماج في الوظيفة العمومية، وهو ما ضيع ويضيع على التلاميذ زمنا مدرسيا كبيرا.
مخاوف وتساؤلات كثيرة يثيرها تشبث الأساتذة بالاحتجاج عن طريق الإضراب، فبينما يؤكد هؤلاء أنهم يمارسون حقهم الدستوري، هناك من يرى أنهم لربما يمارسون هذا الحق بنوع من "التعسف"، في حين تذهب آراء أخرى في اتجاه التنبيه إلى غياب قانون تنظيمي يؤطر ممارسة ذلك الحق.
حق دستوري ولكن!
"الإضراب حق مضمون"، هذا ما نصت عليه الدساتير المغربية، منذ سنة 1962 وإلى غاية سنة 2011، إلا أنها أردفت تلك العبارة بإشارة إلى تحديد شروط وكيفيات ممارسة ذلك الحق بموجب قانون تنظيمي، ولكن المشكلة أن ذلك القانون الموعود لم يصدر إلى الآن.
"مرت نحو 60 سنة، أخرجنا 6 دساتير ومرت علينا 32 حكومة و10 ولايات تشريعية، ولم نستطع إلى الآن إخراج ذلك القانون"، يقول الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي المغربي، عمر الشرقاوي.
بالتالي، وفي ظل غياب، قانون تنظيمي، "من الصعب أن نفهم ما هي حدود الإضراب والقيود الواردة عليه وشعاع الحقوق والواجبات في ذلك الإطار"، يقول الشرقاوي ضمن تصريحه لـ"أصوات مغاربية"، والذي يرى أن الحكومة تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية بذلك الخصوص.
وإذا كانت الحكومة تعتمد الاقتطاع من أجور المضربين، في ما يمكن اعتباره كوسيلة غير مباشرة لتقييد ممارسة ذلك الحق، فإن المتحدث يرى أن "الأولى من الاقتطاع أن تخرج الحكومة بقانون تنظيمي يحدد حدود الحقوق والواجبات".
"معركة تكسير عظام"
منذ أزيد من شهر والأساتذة موظفو الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، يخوضون إضرابا يخشى البعض أن يؤدي إلى إعلان سنة بيضاء، خصوصا في ظل غياب أي مؤشر عن إمكانية تعليقه عما قريب.
"نحن أمام وضع غير طبيعي بالمرة"، يقول الشرقاوي وهو يشير إلى "تجاوز إضراب الأساتذة شهرا وضياع أكثر من 5 ملايين ساعة تدريس وبروز شبح سنة بيضاء وفق المعايير الدولية، حيث أن شهرين من الانقطاع عن التدريس تعني سنة بيضاء"، الأمر أشبه بـ"معركة تكسير عظام، يؤدي ضريبتها 3 ملايين تلميذ، مليون منهم في العالم القروي" وبالتالي "لا يمكن لأحد القول إن شهرا من الإضراب أمر منطقي".
ولكن، في المقابل، يشير المتحدث إلى ما دفع هؤلاء الأساتذة إلى الإضراب، ويقول "الآن هناك 70 ألفا من الأساتذة، والأمور غير واضحة من الناحية القانونية"، وإن كان يرى في الوقت نفسه أن "التعديلات تضمنت بعض الضمانات في حين لم تكن هناك أية ضمانات خلال اعتماد مسطرة التعاقد".
ضرورة استحضار الأسباب
الإشكال الأكبر إذن علاقة بممارسة حق الإضراب، يكمن في غياب قانون تنظيمي يؤطره، ولكن إذا كان سيتم بموجب ذلك القانون وضع "تقييدات" على الحق في الإضراب، فإن 'تلك التقييدات لا يجب أن تمس الحق في ممارسة الحرية النقابية، والخيط رفيع بين الأمرين".
هذا ما يوضحه رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أحمد الهايج، الذي يرى بدوره أن "القول بأن ممارسة الإضراب اليوم تتم بشكل تعسفي أو أن فيها إضرار بمصالح الغير يقتضي التوفر على قانون ينظم عملية الإضراب سواء في القطاع العمومي أو في القطاع الخاص".
في الوقت نفسه، ينبه الهايج ضمن تصريحه لـ"أصوات مغاربية" إلى ضرورة النظر إلى الجانب الآخر، واستحضار الأسباب التي دفعت الأساتذة موظفي الأكاديميات إلى الاحتجاج بالإضراب.
"هم احتجوا لأن هناك مس ببعض حقوقهم الأساسية، كالحق في الاستقرار المهني والمساواة أمام القانون"، يقول رئيس "AMDH"، الذي يرى أن "الدولة تبحث عن الحلول السهلة، كما تبحث عن حل مشاكل التعليم المتراكمة منذ سنوات بأقل تكلفة ولو بالعودة إلى قوانين مجحفة وشروط مذلة" وفق تعبيره.
وسيلة لانتزاع الحقوق
في آخر بلاغ لها، أعلنت، "التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فُرض عليهم التعاقد"، عن تمديد الإضراب إلى غاية يوم الخامس والعشرين من أبريل الجاري مع إمكانية تمديده مجددا.
بالنسبة لهؤلاء الأساتذة فإنهم بالاحتجاج عن طريق الإضراب يمارسون حقا دستوريا، وفق ما يؤكده عضو التنسيقية، رشيد أمونان، الذي يضيف موضحا ضمن تصريحه لـ"أصوات مغاربية" أنهم لجؤوا إلى الإضراب "لأن هناك حقوق مهضومة لهذه الفئة" بالتالي هو يؤكد "لا أعتقد أن هناك تعسفا ما دمنا نمارس حقا دستوريا".
في الوقت نفسه يلفت المتحدث إلى كونهم تعهدوا في التنسيقية بتعليق الإضراب إذا التزمت الوزارة بما تضمنه اتفاق يوم السبت الماضي، ولكن "فوجئنا يوم الاثنين بالتهديد بالطرد، وعدم صرف الأجور، وبمراسلات بخصوص التأهيل المهني.. بل الأكثر من هذا وما أجج المشكل خروج الوزير ليؤكد في تصريح صحافي أن سقف الحوار هو النظام الأساسي لأطر الأكاديميات".
وعما إذا كان من الأفضل سلك أساليب احتجاجية أخرى غير الاضراب خصوصا مع تواصله لفترة طويلة، يؤكد المتحدث أن "التعاطي السلبي" مع احتجاجات الأساتذة، منذ البداية، هو ما أدى إلى التصعيد وبالتالي إلى الإضراب، غير مستبعد في السياق نفسه، إمكانية إعلان "سنة بيضاء".
المصدر: أصوات مغاربية