يقود عبد الله جاب الله رئيس حزب جبهة العدالة والتنمية (إسلامي التوجه) مبادرة تضم شخصيات وازنة وبعض أحزاب المعارضة لإيجاد مخرج للأزمة التي تعيشها الجزائر منذ أكثر من شهرين.
قبل ذلك أعلن عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم، وهو حزب إسلامي آخر مقترحا لتمديد عهدة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سنة واحدة إلى غاية إيجاد حل توافقي لمشكلة خلافة الرئيس الذي انتهت ولايته الرابعة على وقع احتجاجات شعبية مستمرة منذ 22 فبراير الماضي.
الحراك الشعبي الذي "أسقط" بوتفليقة، أفرغ مبادرة مقري، ووضع الأخير في خانة "الموالين" للسلطة.
أما محاولة المعارضة بقيادة جاب الله التحرك في اتجاه الحوار مع السلطة، بالرغم من رفض الشارع إعطاءها أي دور في المشهد الحالي، فقد جعلت من جاب الله نفسه "سياسيا يقود مبادرة عقيمة لحزمة من الانتهازيين" على حد تعبير جمال سويسي، واحد من الطلبة الذين خرجوا الثلاثاء للمطالبة بتحقيق مطالب الحراك الشعبي.
القاعدة الشعبية التي كانت تتمتع بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ (حزب إسلامي محظور) سنوات التسعينيات، أعطتها الأغلبية الساحقة في الانتخابات المحلية ثم البرلمانية بداية تسعينيات القرن الماضي في أول انتخابات تعددية تجري بالجزائر.
وبعد حل الحزب من طرف المؤسسة العسكرية، اعتلت حركة المجتمع الإسلامي المركز الثالث بالبرلمان الجزائري، وأصبحت شريكا في الحكومة لسنوات عديدة.
تلك الصورة، بقيت إلى غاية خروج ذات الحزب من الائتلاف الرئاسي الذي دعم بوتفليقة لثلاث عهدات.
كما أن القاعدة الشعبية والطلابية لبعض الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية بالجزائر جعلت منها فاعلا دبلوماسيا كذلك، على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
تلك الأحزاب كانت السباقة السنة الماضية مثلا في التفاعل مع طلب حزب إسلامي من المغرب التعجيل لفتح حوار بين الحكومتين المغربية والجزائرية، إثر رسالة وجهها العاهل المغربي محمد السادس للجزائر، تضمنت مبادرة لتشكيل آلية لتجاوز الخلافات بين البلدين.
فالأحزاب الإسلامية، بحسب أستاذ العلوم السياسية بجامعة جيجل (شرق الجزائر)، عز الدين قندوس، "كانت دائما تتمتع بصيت جيد لدى الشباب، لكن الحراك الشعبي جعل منها نموذجا للبديل الفاشل".
مشاهد طرد سياسيين حاولوا "السير" مع الحراك طبعت المظاهرات الأسبوعية للمواطنين والطلبة على حد سواء، لكن القوة التي "هوجم" بها أبو جرة سلطاني زعيم حزب "حمس" السابق أعطت صورة عن "سقوط الإسلاميين" على حد وصف جمال سويسي، الطالب في كلية العلوم السياسية والإعلام بالجزائر.
سويسي، وهو من قادة الحراك الطلابي المؤيد للمظاهرات الشعبية، يرى كذلك، أن تراجع دور الأحزاب الإسلامية "دليل على تفطن الشباب بأن المشروع الوطني يجب أن يبنى على أفكار جزائرية خالصة، وليس على استنباطات من فكر مستورد".
وفي اتصال مع "الحرة" أشاد سويسي بما سماها "استفاقة الشباب لضرورة نقل انشغالاته بنفسه وعدم تفويض هذه المهمة لأي حزب كان".
سويسي عزا تراجع دور الأحزاب الإسلامية إلى غيابها في أوساط الطلاب خلال السنوات الأخيرة.
"كانت للأحزاب الإسلامية مكاتب في الجامعات خصوصا حزب مقري لكن دورها تراجع داخل الجامعة وأظنه السبب وراء تراجعه في المجتمع، وتحركها على الهامش دليل على ما أقول" يبرز هذا الشاب.
يذكر أن بعض المنتمين إلى الأحزاب الإسلامية حاولوا "اختراق" الحراك والهتاف بشعارات تعود لعهد "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، لكن قادة الحراك الشعبي أوقفوا المسيرات وعزلوهم.
وفي وصفه للحادثة، قال الباحث في علم الاجتماع نوري قادري "لقد تبيّن أنهم بلا أي تأثير".
أما أستاذ العلوم السياسية، عز الدين قندوس، فيرى أن "الجزائري اكتشف خلال فترة حكم بوتفليقة، أن جميع الأحزاب تسعى للتموقع السياسي، وأن الإسلاميين لا يخرجون عن هذه القاعدة".
ويتابع "الجزائري لم يعد أكثر حذرا فحسب بل لا تستطيع حتى أن تقنعه بأن هناك شيئا يدعى حزب إسلامي".
في هذا الصدد يرى الباحث في علم الاجتماع نوري قادري، أن الجزائريين أصبحوا يملكون "مناعة سياسية جراء ما عاشوه خلال الفترة التي أعقبت الانفتاح السياسي، مذكرا بما شهده الجزائري خلال فترة الإرهاب والتطرف التي أعقبت توقيف المسار الانتخابي".
ولفت قادري في حديث لـ "الحرة" إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي التي أسست لتفاعل الشباب الجزائري مع المجتمعات الأخرى، خصوصا الغربية منها.
"شباب اليوم أصبح يعي أن السياسة لا تقوم على أخلاقيات بعينها" يوضح نوري قادري، ثم يستدرك "لقد استفاق الجزائري من كذبة اسمها حزب إسلامي".
المصدر: موقع الحرة