استطاع رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد أن يقلب المشهد التونسي في مدة وجيزة، فقبل أن يتم انتخابه على رأس حزب "تحيا تونس"، خاض معركة شرسة ضد جناح الباجي قائد السبسي في حزب "نداء تونس".
اليوم، يجمع الشاهد بين رئاسة الحكومة وزعامة حزب حديث النشأة، بينما يضع الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة نصب عينه. فالفوز بأغلبية مريحة سيمكّنه من المحافظة على وضعه داخل الحكومة.
واستطاع الشاهد أن يقنع عددا من الوزراء وشخصيات مستقلة داخل حزب "نداء تونس" بالالتحاق بحزبه الجديد وتأسيس كتلة في البرلمان، جعلت من "تحيا تونس" القوة السياسية الثانية داخل القبة التشريعية، بعد حزب النهضة.
من يكون الشاهد؟
بدأ الشاهد مسيرته أستاذا جامعيا في مجال الهندسة الزراعية في فرنسا، حيث حصل على الدكتوراه سنة 2003.
درّس في مؤسسات جامعية فرنسية وانخرط مع منظمات دولية معنية بالمجال الفلاحي، مثل منظمة الأغذية والزراعة (الفاو).
بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي في أواخر 2010، التحق الشاهد بأحزاب سياسية صغيرة، لكن لم يسطع نجمه إلا في حزب "نداء تونس"، الذي أسسه الباجي قائد السبسي في يونيو 2012.
فمن خلال هذا الحزب استطاع الحصول على حقيبة وزارية في حكومة لحبيب الصيد في يناير 2016. ومن وزارة التنمية المحلية قفز الشاهد إلى رئاسة الحكومة بسرعة، إذ حصل على ثقة مجلس نواب الشعب في أغسطس 2016.
آنذاك، اعتقد محللون سياسيون أن الباجي قائد السبسي وجد في الشاهد الشخصية المناسبة لقيادة المرحلة، إذ يعتبر أنه "يفتقر إلى الخبرة السياسية ويمكن أن يوظفه الرئيس لتنفيذ أجندته"، بالإضافة إلى أنه "شخصية محايدة".
لاحقا، ظهر أن السبسي أخطأ الحسابات، فالمهندس الفلاحي أظهر مناعة ضد الضغوط، مما أجج الصراع بينه وبين السبسي إلى درجة دفعت الأخير إلى مطالبة يوسف الشاهد بتقديم استقالته.
وقبل مرحلة تولي الشاهد رئاسة الحكومة، أخفقت ثماني حكومات سابقة في حل المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها البلد، إذ ارتفعت معدلات البطالة والتضخم، في حين ربطت المؤسسات المالية الدولية منح قروض جديدة لتونس بتطبيق إصلاحات اقتصادية سريعة.
وكان أبرز عنوان للفترة التي قضاها الشاهد رئيسا للحكومة هو "محاربة الفساد والتهرب الضريبي".
فقد أكد مرارا أن الحرب على الفساد "ستكون صعبة وطويلة المدى، لأن اللوبيات ومراكز النفوذ وقوى الفساد ستحاول الدفاع عن مصالحها".
ويتهم البعض الشاهد بتوظيف هذه الحملة كـ"حيلة لتصفية الحسابات السياسية مع الخصوم"، وبسط نفوذه من دون أصوات مزعجة استعدادا لانتخابات 2019.
الحاكم "الفعلي"
يقول المحلل السياسي التونسي الأمين البوعزيزي لـ"أصوات مغاربية إن "يوسف الشاهد، الذي بدأ كشخصية تفتقر للخبرة السياسية اللازمة لإدارة شؤون الحكومة، أدرك مبكرا أن الدستور إلى جانبه، فوظف كل صلاحياته ليصبح هو الحاكم الفعلي لتونس".
وقد اندلعت حرب حول الصلاحيات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في نوفمبر من العام الماضي، بعدما أعلن الشاهد تعديلا حكوميا.
وقالت رئاسة الجمهورية آنذاك إنها غير متفقة مع التعديلات الجديدة، في حين أكدت رئاسة الحكومة أنه لا يوجد في الدستور ما يُجبر رئيس الحكومة على إجراء مشاورات مع رئيس الجمهورية من أجل القيام بالتعديلات الوزارية في كل الحقائب باستثناء وزارتي الخارجية والدفاع.
وينص الفصل 92 من الدستور على أن رئيس الحكومة "يختص بإحداث وتعديل وحذف الوزارات وكتابات الدولة وضبط اختصاصاتها وصلاحياتها بعد مداولة مجلس الوزراء"، لكن عندما يتعلق الأمر بوزير الداخلية أو الدفاع فيجب التشاور مع رئيس الجمهورية.
ويتفق البوعزيزي مع الذين يعتقدون أن الشاهد "انقلب سريعا" على السبسي، قائلا: "أتى به الباجي قائد السبسي، لكن الرجل لديه طموحاته الخاصة. كان السبسي يبحث عن وزير أول يحكم به تونس، لكن يوسف الشاهد قلب الطاولة وأسس لنفسه مشروعية دستورية".
ويلخص المحلل السياسي ما يحدث لرئيس الحكومة بالقول إنها "قصة صعود الشاهد هي قصة استغلال الدستور".
من جهة أخرى، يرى الكاتب السياسي التونسي، باسل ترجمان، أن الشاهد "بدأ تجربته السياسية بطريقة واضحة واستطاع أن يصل بسرعة إلى رئاسة الحكومة ويحتفظ بها لمدة طويلا وسط كل العواصف والأزمات التي شهدتها تونس خلال السنوات الثلاث الماضية".
ويرفض ترجمان وصف الشاهد بـ"التكنوقراطي الذي انقلب على سيده"، قائلا إن "الصراعات والأوهام الشخصية لقيادات حزب نداء تونس هي التي دفعت يوسف الشاهد للخروج وتأسيس حركة تحيا تونس"، مضيفا: "الرجل طبّق الدستور ولم يستغل الدستور لصالحه. هذا يستحق عليه الإشادة وليس العكس".
ويؤكد المحلل السياسي، في تصريحات لـ"أصوات مغاربية"، أن السبسي ارتكب أخطاء في التعامل مع الشاهد عندما اعتقد أنه سيكون ربان السفينة ويستخدم الشاهد كأداة لتنفيذ أجنداته"، مضيفا أن "الشاهد ينتمي إلى جيل شاب يريد أن يأخذ دوره في إدارة الأمور السياسية في البلاد".
بين القصبة وقرطاج
يرى محللون أن يوسف الشاهد لا يريد الترشح لرئاسة الجمهورية، بعد إعلان الباجي قائد السبسي نيته التقاعد.
ويعتقد هؤلاء أن الشاهد يبحث عن السلطة، وهي موجودة في قصر الحكومة بالقصبة وليس في قصر قرطاج (الإقامة الرسمية لرئيس الجمهورية).
وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي الأمين البوعزيزي: "الشاهد لن يكون مرشح حزب تحيا تونس لرئاسة الجمهورية. الشاهد يريد ولاية جديدة على رأس الحكومة، وهذا يؤكده ما جرى يوم السبت مع رئيس المبادرة الدستورية الديمقراطية كمال مرجان".
وقد انتُخب مرجان رئيسا للمجلس الوطني لحزب "تحيا تونس"، بعد اندماج حزبه (المبادرة الدستورية الديمقراطية) مع حزب الشاهد.
ومباشرة بعد ذلك، أكد الأمين العام لـ"تحيا تونس"، سليم العزابي، أن قيادة "تحيا تونس" لم تطلب من كمال مرجان سحب ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة.
ويرى البوعزيزي أن الشاهد دفع مرجان للترشح لرئاسة الجمهورية "لأنه يريد رئاسة الحكومة لنفسه".
ويضيف المتحدث: "الرجل يذكرنا جميعا بشخصية بن علي في بداية مشوارها. كلاهما بلا رصيد سياسي كبير، وكلاهما خطط لكيفية هندسة المجال السياسي لصالحه، وكلاهما استخدم إمكانيات الدولة الرمزية للحصول على المشروعية وجمع الطامعين وراءه".
في المقابل، يرى باسل ترجمان أن الشاهد يستحق فرصة أخرى لإكمال إصلاحات بدأها خلال الولاية الأولى، قائلا: "الشاهد لا يريد أن ترجع تونس إلى ما كانت عليه. والذين ينتقدونه بشدة اليوم، كانوا ضد حملته لمحاربة الفساد وهاجموه في كل المحطات".
ويضيف المتحدث أن "ما يحصل مع الشاهد يحصل مع كل سياسي يبحث عن الإصلاح"، مشيرا إلى أن "الناخب التونسي سيعاقب السياسيين الانتهازيين بسبب تغليبهم المصالح الشخصية الضيقة وإرباك الحياة السياسية على حساب مصلحة البلد والمواطن"، في إشارة إلى خصوم الشاهد.
المصدر: أصوات مغاربية