قال عمر نومري، الشاب الجزائري العشريني الفائز برئاسة بلدية كاستيو دي فرفانيا بإسبانيا، إنه سيعمل على حل مشاكل بلديّته وتنشيط الحركة الاقتصادية فيها وفاء بوعوده لمواطنيه.
وروى نومري في حوار مع "أصوات مغاربية" قصة بداياته فارّا رفقة عائلته من الجزائر، خلال "العشرية السوداء"، وكيف أعادوا بناء حياتهم في إسبانيا من الصفّر، مثلما قال، إلى أن وصل إلى رئاسة بلدية في إقليم كتالونيا، ليصبح أوّل جزائري وعربي يحصل على هذا المنصب.
وفي غمرة الحوار، لم ينس نومري الكشف عن موقفه من الحراك الشعبي في بلده الأمّ.
نص الحوار
حدثنا عن حياة عمر نومري في الجزائر وانتقاله إلى إسبانيا.
ولدت سنة 1991 في زرالدة، غربيّ الجزائر العاصمة، لأب جزائري وأمّ إسبانية.
اضطرّت عائلتي لمغادرة الجزائر نحو إسبانيا بسبب العنف المسلّح الذي ضرب البلاد وقتها، وفي إسبانيا بدأنا حياتنا من الصفر.
أنفقت عائلتي كل ما لديها لتشتري بيتا في مدينة بالاغير بمقاطعة كتالونيا، واشتغل والدي في أعمال البناء وحقول الفواكه من أجلنا، لقد كانت تلكم الأيام عصيبة علينا فعلا ولكنّنا كسبنا التحدّي.
أما أنا فزاولت دراستي كلها في بالاغير وبعد نجاحي في البكالوريا انتقلت إلى جامعة برشلونة وهناك تحصّلت على شهادتي الليسانس ثم الماستر في التاريخ وأعتزم المواصلة للحصول على الدكتوراه.
بعد تخرّجي اشتغلت مدرّسا لمادة التاريخ في الثانوية ببلدية كاستيو دي فرفانيا، كما عملت قاضيا فيها، إذ يخوّل لي القانون الإسباني الاشتغال في هذه المهنة لكنّ ليس بنفس صلاحيات قضاة المحاكم.
عليّ أن أذكّر بأننا بقينا أوفياء للجزائر، ففي سنة 1999 عدنا إليها ومن حينها لم ننقطع عنها، وإلى اليوم نزور عائلتنا الكبيرة ولدينا بيت هناك.
عمر، قد يتساءل أحدهم، كيف فكّرت في دخول عالم السياسة وأنت القادم من عالم التدريس أساسا؟
هناك عاملان جعلاني أفكّر في ممارسة السياسة، الأول هو تاريخ الجزائر الثوري الرافض للاستعمار والثاني هو جدّي لِأُمّي واسمه جاومي (جيمس بالإنجليزية)!
فأنا سليل ثورة عظيمة في التاريخ هي الثورة الجزائرية وُلدت نتيجةَ حركة وطنية سياسية قوية، أما جدّي جاومي فكان يحبّ السياسة ويعشق الحركات الثورية والقومية اليسارية الكتالونية، هذه هي الكيمياء التي جعلتني أفكّر في السياسة بجدّ.
لديّ مؤهلات أخرى تسمح لي بدخول عالم السياسة في إسبانيا، فأنا جزائري مسلم متمسّك بديني وثقافتي، وفي الوقت ذاته لدي عائلتي المسيحية من جهة أمّي، عشتُ معهم وكبرت بينهم وأعرف ثقافتهم، ولا فرق عندي بين هاتين الثقافتين، وعليه فأنا أفهم الجميع مسيحيين ومسلمين وأتعايش معهم وأعرف خصوصياتهم.
كيف بدأ مشوارك السياسي في بلد هو ليس بلدك؟
عندما بلغت الـ18 من العمر، انضممت إلى حزب وطني إسباني لكنّ أفكاره لم تعجبني، كان حزبا يمينيّا لا ينظر إلى الجميع بعين المساواة، لذلك انسحبت منه.
في سنة 2018، سجلت في صفوف الحزب اليساري الجمهوري الكتالوني، بعدما وجدت فيه أفكاري وأُعجبت بنضالاته في الدفاع عن الحقوق والحريات والمساواة.
وبعد مشوار نضالي في هذا الحزب قدّمت نفسي مرشّحا باسمه لرئاسة بلديتي كاستيو دي فرفانيا، وكان لابد أن أخوض الانتخابات الأولية داخل الحزب نفسه ضد رئيس هذه البلدية.
خلال عشرة دقائق من الحديث استطعت أن أُقنع الحزب بمشروعي، وانهزمت أمامي منافستي التي تحدّثت عشر دقائق بدورها لكنّها فشلت في الإقناع.
ما هو مشروعك الذي مكّنك من الوصول إلى رئاسة كاستيو دي فرفانيا؟
جرت الانتخابات البلدية في شهر ماي الماضي، وركّزت في مشروعي على المشاكل التي تهمّ سكان بلديتي، وهي الشيخوخة المتصاعدة وهجرة الشباب ونُدرة فرص الشغل.
قدّمتُ حلولا لهذه المشاكل واستطعت أن أقنع من انتخبوني، فبلديّتي عريقة تاريخيا ولها خصائص فلاحية تميّزها عن غيرها من البلديات، لذلك سأعمل على جعلها جذّابة للسيّاح لتنشيط الحركة الاقتصادية فيها، كما لن أهمل القطاع الفلاحي، وسأستثمر في عنصر الشباب للنهوض بهذين القطاعين.
بقي أن ألفت انتباه القراء والعالم إلى أن حزبي ومنطقتي كتالونيا يتعرّضان لظلم وتهميش كبيرين من الحكومة الإسبانية، فمثلا نحن لا نتلقى مساعدات من الحكومة رغم أننا ندفع الضرائب.
سأفاجئ كثيرين إذا قلت إن بعض زملائنا في الحزب لا يزالون في السجن بسبب أفكارهم ليس أكثر، بل إن لدينا نوابا في البرلمان الإسباني وفي الاتحاد الأوروبي حُرموا من مقاعدهم وقادتهم الحكومة إلى السجون أيضا، كل هذا والعالم لا يتحرّك رغم أن الأمر يتعلّق ببلد أوروبي كبير هو إسبانيا!
هل قابلتك مشاكل خلال الترشح وبعد فوزك؟
للأسف نعم! أولا تعرضت للشتم من رئيسة البلدية التي سبقتني رغم أنها تنتمي إلى حزبي! لقد شتمتني على صفحتها في فيسبوك، فقالت إنني لا أستحق الفوز بسبب ديني وأصولي الجزائرية، رغم أنها هي أيضا من أصول فرنسية!
وقد أدان حزبي تصريحاتها فيما أعلنت هي انسحابها من الحزب لاحقا.
هناك أصوات يمينية انزعجت أيضا من ترشّحي وفوزي، وهي أصوات لا تحبّ مقاطعتنا كتالونيا.
أريد أن ألفت الانتباه هنا إلى أنّني أول عربي مسلم يفوز برئاسة بلدية في تاريخ إسبانيا، وقد تحدّثت الصحافة الإسبانية عن هذا.
في الجزائر حراك شعبي كبير انطلق في 22 فبراير الماضي يطالب برحيل النظام، ما هو موقفك مما يجري في بلدك؟
نعم، أنا أتابع ما يجري في بلدي باهتمام بالغ كوني جزائريا أوّلا وسياسيّا ثانيا.
إن أهمّ ما أشدّد عليه هو أن يبقى هذا الحراك سلميّا حتى النهاية، إلى أن يحقق الجزائريون مطالبهم و آمالهم في بناء دولة ديمقراطية يتساوى فيها الجميع.
سلمية الحراك هي نقطة قوة هذه الهبّة الشعبية، هذه السلمية هي التي جعلت الجزائريين مضرب مثل في العالم في مجال الاحتجاج والدفاع عن الحق ورفض الظلم، ولا يسعني إلا أن أكون مع إرادة الشعب الجزائري.
المصدر: أصوات مغاربية