مرة أخرى يبرز اسم جماعة العدل والإحسان (جماعة إسلامية معارضة محظورة)، علاقة بأحد الحراكات التي يشهدها المغرب، وتحديدا احتجاجات طلبة كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، الذين قرروا بعد أشهر من التظاهر مقاطعة امتحانات بداية الأسبوع الجاري.
ففي بلاغ تلاه الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، مصطفى الخلفي، عقب اجتماع المجلس الحكومي الخميس، تم توجيه اتهام مباشر للجماعة بـ"استغلال الوضع وتحريض الطلبة من أجل تحقيق أهداف لا تخدم مصالحهم".
اتهام الحكومة لـ"الجماعة" خلف موجة من ردود الفعل من طرف العديد من المتتبعين، وكذا من طرف الجماعة نفسها، التي تعتبر أن هذا الاتهام يمثل "استخفافا" بالطلبة وعائلاتهم وأساتذتهم، والطلبة الذين يرفضون تسييس مطالبهم التي يشددون على كونها "أكاديمية محضة".
طلبة الطب: مطالبنا أكاديمية
بنسبة نجاح أكد ممثلوهم أنها بلغت 100%، قاطع الطلبة الأطباء الامتحانات التي انطلقت بداية الأسبوع الجاري، وذلك بعد أشهر من الاحتجاجات التي اتخذت أشكالا مختلفة والتي شهدت أيضا مشاركة بعض الآباء وأولياء الأمور.
المنسق الوطني لطلبة الطب، أيوب أبوبيجي، يؤكد أن قرار مقاطعة الامتحانات "اتخذ من طرف الطلبة عبر صناديق الاقتراع".
فعملية اتخاذ أي قرار يهم الطلبة تتم عبر "تنظيم جموع عامة في نفس التوقيت على الصعيد الوطني تناقش خلالها الخطوات المزمعة والمقترحات المطروحة"، لتلي ذلك عملية التصويت التي "تتم بعد 24 ساعة من موعد الجموع حتى يتسنى للطلبة مناقشة ما طُرح خلالها".
تبعا لذلك، يقول أبو بيجي في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، بأن قرار مقاطعة الامتحانات صوت عليه أزيد من 90% من الطلبة، والتزم به الجميع بنسبة 100%.
وفي بلاغ سابق لها، شددت "التنسيقية الوطنية لطلبة الطب" على "استقلاليتها" وعلى كون مطالبها "أكاديمية صرفة".
الفكرة نفسها يجدد التأكيد عليها المنسق الوطني للطلبة، الذي يعبر عن استغراب الطلبة مما ورد في البلاغ الحكومي من اتهام "العدل والإحسان" بتحريضهم.
"استغربنا كثيرا من البلاغ الذي يتجه نحو تسييس احتجاجات الطلبة"، يقول أبوبيجي، مضيفا "نحن لا نمارس السياسة، نحن طلبة لدينا مطالب أكاديمية صرفة وبمجرد ما ستتحق سنعود إلى مقاعد الدراسة".
ويتابع المتحدث "لا نريد خوض معارك سياسية ولن ننجر إلى ذلك (...) ونطالب المسؤولين إذا ما كانت هناك أية حسابات سياسية فلتحل بعيدا عن ملف طلبة الطب".
الجماعة: أسطوانة مشروخة
هي ليست المرة الأولى التي تخرج فيها الدولة لتتهم "الجماعة" بالوقوف وراء أحد الحراكات، فقد "فعلت ذلك في أحداث سابقة منها أحداث الريف وجرادة"، تقول العدل والإحسان تفاعلا مع اتهامها بـ"تحريض" طلبة الطب، حيث وصفت الأمر بـ"الأسطوانة المشروخة".
وبالنسبة للجماعة فإن هذا الاتهام "يمثل استخفافا بنخبة عريضة من المجتمع متمثلة في طلبة كليات الطب والصيدلة وعائلاتهم وأساتذتهم، واستخفافا بعقول الناس وبوعيهم".
كما يمثل، وفقها، "تعبيرا عن فشلها (تقصد السلطة المغربية) في حل المشاكل المتراكمة للبلد في كل القطاعات ومحاولة للهروب من تحمل المسؤولية في إيجاد حلول منصفة للمشكل ذي الطبيعة المهنية والأكاديمية الصرفة ومحاولة يائسة للتغطية على المواجهة المكشوفة التي أصبحت فيها السلطات السياسية والاقتصادية أمام شعب بأكمله نتيجة سياساتها الارتجالية الفاشلة".
وتستنكر "العدل والإحسان"، في بلاغ صادر عن "مجلس الإرشاد" التابع لها، قرار التوقيف الذي طال ثلاثة أساتذة في كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، مؤكدة بأنه "لا يتعلق بالإخلال بالتزاماتهم المهنية كما ادعت الوزارة، بل يتعلق بنشاطهم النقابي وتميزهم الأكاديمي وانتمائهم السياسي".
كما عبرت الجماعة ضمن هذا البلاغ عن تنديدها بهذا "الموقف/المهزلة للسلطات المخزنية" بحسب تعبيرها، والذي يحاول وفقها "تحريف الوقائع والنيل من ذكاء نخبة معتبرة من المجتمع بمحاولة اتخاذ العدل والإحسان شماعة تعلق عليها السلطات فشلها المتواصل".
محلل: "ليس بالأمر الجديد"
عقب المظاهرات التي شهدتها عدد من المناطق في المغرب، سنة 1984، احتجاجا على غلاء الأسعار، والتي كان من بين المشاركين فيها طلبة وتلاميذ، خرج الملك الحسن الثاني، في خطاب شهير اتهم خلاله "منظمة إلى الأمام"، بالضلوع في الاحتجاجات.
المحلل السياسي والمؤرخ والحقوقي المعطي منجب يستحضر ذلك الخطاب، وهو يؤكد أن "التوجه لتسييس الحركات الاحتجاجية وإظهار المحتجين وكأنه متلاعب بهم خفية لتحقيق مآرب سياسية؛ ليس بالأمر الجديد".
ويشير منجب، ضمن تصريحه لـ"أصوات مغاربية" إلى أن "ممثل إلى الأمام في فرنسا خرج حينها ليؤكد أن لا دور لهم في الأحداث" مردفا أنه "لو كان لهم أي دور فيها لأعلنوا ذلك بأنفسهم ولكانوا فرحين بذلك".
وحسب منجب، فإن "التسييس هدفه القضاء على أي تعاطف مع الحركة الاحتجاجية" و"عزل التنظيم السياسي المعني عن بقية الطبقة السياسية"، كما يهدف أيضا في حالة طلبة الطب إلى "التأثير في الآباء والمجتمع بتأكيد أن احتجاجهم ليس في مصلحتهم ولكن في مصلحة جهة أخرى لها مآرب سياسية".
في فقرة تلت اتهام "العدل والإحسان" بـ"تحريض" الطلبة، أكدت الحكومة المغربية أنها "لن تتوانى في اتخاذ الإجراءات القانونية المعمول بها ضد كل من سعى إلى عرقلة السير العادي للامتحانات".
هل يمكن اعتبار هذا التصريح "مبررا استباقيا" لأي إجراء قد تتخذه الحكومة أو الوزارة الوصية في حق الطلبة المحتجين؟
منجب يجيب بأن "سياسة الوزارة قد أصبحت بالفعل منذ فترة سياسة أمنية"، إذ أنها "لا تحاول حتى حل المشكل" الذي يرى إمكانية حله، كون "المطالب ليست تعجيزية ويمكن الوصول إلى حلول بشأنها".
في ظل كل ذلك، يستمر الطلبة في مقاطعتهم للامتحانات وتتشبث الحكومة باجتيازهم لها متوعدة باتخاذ إجراءات من قبيل "الفصل" و"إعادة السنة" بالنسبة لغير الناجحين.
أما منجب فيرى أن التشبث بإجراء تلك الامتحانات في ظل هذه الأوضاع يشكل "تهديدا على صحة المغاربة" على اعتبار أن الطلبة "لم يدرسوا لحوالي ثلاثة أشهر".
المصدر: أصوات مغاربية