أفاد المستشار برئاسة الجمهورية الأسبق والخبير الاقتصادي، عبد المالك سراي، بأن الأموال المنهوبة من الخزينة العمومية بالجزائر، خلال السنوات الخمس الأخيرة قدرت بـ150 مليار دولار.
وأكد سراي، في حوار مع "أصوات مغاربية"، أن المتابعات القضائية في حق رجال أعمال ومسؤولين "ستؤثر بشكل إيجابي على المشهد الاقتصادي ونشاط الاستثمار خلال الأعوام القادمة".
نص الحوار:
المتابعة القضائية في حق رجال أعمال ومسؤولين سابقين مستمرة في الجزائر، ما تأثيرات ذلك على الوضع الاقتصادي؟
الجزائر كغيرها من الدول تعرف عدة تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية، وهذا أمر جد طبيعي وعادي في مسارات كل الدول.
لكن الملفت في بلادنا هو التحول الجذري الذي يعرفه قطاع العدالة من ملفات الفساد، وموقف السلطة الحالية من ذلك.
الجزائر تضررت كثيرا بفعل ما كان واقعا فيها خلال السنوات الأخيرة بفعل تفشي ظاهرة الفساد، ووصول هذه السلوكات إلى قمة مؤسسات الدولة، دون الحديث طبعا عما كان يحدث على المستوى المحلي.
عموما، يمكنني القول إن ما يحدث في الجزائر جد إيجابي ومريح بالنسبة للعديد من الدوائر الرسمية، وحتى على مستوى الشعب الذي لم يخف ابتهاجه وفرحته من رؤية مسؤولين سابقين أمام العدالة بتهمة الفساد، وهذا ما كان يطالب به الحراك منذ مدة.
الأمر الإيجابي الذي ينبغي الإشارة إليه هو أن العديد من المسؤولين تحرروا من ضغط بعض الجهات النافذة وصاروا يفكرون قبل أي قرار، خاصة على مستوى المؤسسات المصرفية والبنكية، وهذا في حد ذاته أمر جد هام.
هل يمكن معرفة قيمة الأموال التي تم نهبها في الجزائر خلال السنوات السابقة؟
هذا السؤال هو محل تحقيقات مصالح قضائية وأمنية تعكف على تحريات واسعة من أجل تحديد قيمة الأموال التي تم نهبها من قبل بعض رجال الأعمال والأطراف المتهمة في بالفساد.
حسب تحليلي الخاص، وبحكم اطلاعي من موقعي كمستشار سابق في رئاسة الجمهورية أو كخبير اقتصادي، يمكن أن أؤكد لكم أن المبلغ الذي تم اختلاسه من الخزينة العمومية بلغ 150 مليار دولار في الخمس سنوات الأخيرة.
أنا هنا أتحدث عن العهدة الأخيرة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ولا أتحدث عما كان حاصلا في السابق، لأن أهم التجاوزات وقعت في هذه المرحلة التي شهدت مشاريع اقتصادية ضخمة تبين فيما بعد أنها لم تكن سوى واجهة للفساد الاقتصادي والمالي في الجزائر.
في نظرك، من يتحمل المسؤولية المباشرة في ما حصل؟
في نظري، المسؤولية تتحملها العديد من الأطراف، بما فيها المؤسسة التشريعية التي لم تجتهد بالشكل اللائق من أجل إعداد قوانين تحمي المال العام وتشدد الرقابة على المشاريع الاقتصادية في القطاع العام.
لقد سبق أن اتصلت بأعضاء فاعلين في المجلس الشعبي الوطني وطرحت عليهم منذ عدة سنوات قضية تفشي الفساد المالي في الجزائر، ونبهت العديد منهم لما كان واقعا، لكن للأسف مبادرتي ومبادرة آخرين لم يلتفت إليها أحد.
أساليب وطرف نهب المال في بلادنا تطورت بشكل كبير ولم تكن تقليدية، والأهم من كل ذلك أنها ظلت تعتمد على بعض المشاريع الوهمية واتخذت منها واجهة لممارسة شتى أنواع التنكيل بالمال العام وبمقدراته المالية.
وقائع أغلب ملفات الفساد تتركز على تضخيم الفواتير والتحويلات غير القانونية لأموال نحو الخارج وتقنيات أخرى لا يفقهها إلا أضحابها، في ظل عجز واضح في النصوص القانونية التي تردع هذه الممارسات.
لكن البعض يتخوف من تأثيرات هذه المتابعات القضائية على صورة الجزائر في الخارج، ما حقيقة ذلك؟
صحيح.. الأمر ليس سهلا، ويثير حالة ارتباك واضحة في المشهد الاقتصادي، خاصة بالنسبة للمؤسسات البنكية التي تراجع نشاطها بشكل ملحوظ في الشهرين الأخيرين بالنظر إلى حالة الخوف والقلق التتي تعتري كل المسؤولين بدون استثناء.
هناك أيضا مشكل أصبح يتزايد بشكل ملحوظ في الداخل الجزائري يتعلق بنقص السيولة المالية، كون أن حركة نقل رؤوس الأموال أضحت هي الأخرى شبه منعدمة.
لكن بخصوص المعطى الدولي، فأؤكد لكم أن نتائج هذه التحقيقات ستكون جد إيجابية في الأشهر القادمة.
نتفهم حالة التردد التي تسجل في مواقف المستثمرين الأجانب من الوضع في الجزائر، وهذا أمر طبيعي. لكن هم مقتنعون أن ما يحدث عندنا هو عملية تطهير شاملة ستنتهي بتنظيف الأجواء الاقتصادية.
لا ننسى أيضا أن العديد من المستثمرين الأجانب تعرضوا بدورهم لمضايقات عديدة من طرف جهات داخلية نافذة، عن طريق بعض الممارسات الفاسدة التي ستزول حتما في المستقبل.
المصدر: أصوات مغاربية