"لن أسمح لأي شخص أن يتعلم هذه الحرفة ما دُمت على قيد الحياة".. جملة تسربت بشكل عفوي من عبد العالي، تعكس مرارة يشعر بها بعد سنوات من التضحية دون طائل في حرفة صناعة الحصير، كما يقول.
يقضي عبد العالي يومه في أحد مراكز الصناعة التقليدية ضواحي الرباط، جالسا على هيئته المعتادة منذ سنوات، منكبا على توليف الدوم صانعا منها حصائر.
سجاد من نوع خاص
يعد هذا النوع من الحصير التقليدي من نبات "الدوم" و"السمار"، ويعتبر من أقدم ما كان المغاربة يفترشونه في منازلهم، وخاصة في المساجد التي ما يزال القائمون على بعضها متشبثين بها إلى اليوم.
لكن انخفاض الطلب على هذه الحصائر بسبب منافسة البُسُط الرخيصة ذات الجودة المتواضعة، خاصة البلاستيكية، أدى إلى كساد هذه الحرفة ومعاناة العشرات من ممتهنيها عبر مناطق مختلفة من البلاد، سيما في القرى والمداشر النائية.
عبد العالي واحد من هؤلاء. عن هذا الوضع يقول مازحا إن حرفيي الدوم "يوشكون على الانقراض مع اقتراب انقراض هذا النوع من الصناعة التقليدية".
حياة وسط الدوم
منذ كان عمره 15 سنة، بدأ عبد العالي في تعلم هذه المهنة إلى أن صار اليوم أحد كبار محترفيها. تخلى صغيرا عن الدراسة في وقت كانت في الصناعة التقليدية في أوجها.
"كان العمل يدر مداخيل محترمة، وكان الجميع يسعى إلى تعلم أي حرفة كانت من أجل ضمان مستقبله والعيش بها"، يقول عبد العالي.
يعترف هذا الحرفي أن اختياره "لم يكن صائبا على المدى البعيد"، مضيفا أن "هذه المهنة وصلت إلى نهايتها ولم يعد يربح من ورائها ذلك المدخول الذي كان يعيل به نفسه وأسرته".
لا يتجاوز ثمن أجود أنواع هذا السجاد اليوم عتبة 40 دولارا في أحسن الأحوال، وهو مقابل لا يناسب مجهود يومين إلى 3 أيام من العمل المتواصل المضني والشاق، وفق العاملين في هذا المجال.
تداعيات صحية
"صعوبة هذا العمل تكمن في القدرة على التركيز والصبر لساعات طوال من توليف خيوط الدوم، مع الدقة في تثبيتها بشكل جيد لا يسمح بوجود فراغات مهما كانت ضئيلة، ناهيك عن التعب الذي يصيب العين أثناء التحديق المتواصل طيلة اليوم"، يروي عامل آخر في الورشة التي يشتغل فيها عبد العالي.
جل حرفيي الحصير الذين التقتهم "أصوات مغاربية" في هذه الورشة يؤكدون أن سنوات العمل في هذا المجال تسببت في إضعاف بصر أغلب العاملين.
"لم نعد نحصل من العمل إلا على المشاكل الصحية المتراكمة.. كما ترى، وضعية الاشتغال تساهم في تشويه الظهر وتؤثر على مفاصل الأرجل، أما المدخول لا يكفي لسد حاجات هذا العصر"، يختم عبد العالي كلامه.
المصدر: أصوات مغاربية