منذ مصادقة الحكومة المغربية عليه قبل نحو ثلاث سنوات، ومشروع القانون رقم 63.16 الذي يغير ويتمم القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية، والذي يتضمن تعديلا يفرض اقتطاعات على الموظفين في القطاع العام لصالح التغطية الصحية للوالدين، والقانون يراوح مكانه تحت قبة البرلمان، في ظل تباين الآراء بشأنه.
مشروع القانون المذكور جاء بتعديل يهم المادة 5 من القانون الجاري به العمل، ينص على ضرورة أن "يشمل التأمين الإجباري الأساسي عن المرض كذلك أم أو أب الشخص الخاضع لنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض" من موظفي القطاع العام.
وفي الوقت الذي تدافع فيه الحكومة عن مشروع القانون وعن فرض اقتطاعات على جميع موظفي القطاع العام لتمويل التغطية الصحية للوالدين، فإن آراء أخرى ترى أن الأمر لا يعدو أن يكون "محاولة لإنقاذ كنوبس من الإفلاس" عبر "جيوب المغاربة" باستخدام "الوالدين" ومنطق "الرضا" و"العقوق".
"مقاربة تضامنية"
تنص الفقرة الأخيرة من المادة الخامسة من القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية، الصادر في الجريدة الرسمية بتاريخ الواحد والعشرين من شهر نوفمبر 2002، على التغطية الصحية للوالدين مع ترك حرية الاختيار بهذا الشأن للمؤمن، إذ جاء في المادة أنه "يمكن للمؤمن أن يطلب تمديد الاستفادة من نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الذي ينتمي إليه لفائدة أبويه شريطة أن يتحمل واجب الاشتراك المتعلق بهما".
مشروع القانون الذي صادقت عليه حكومة عبد الإله ابن كيران عام 2016، والذي لم يبرح الغرفة الثانية بالبرلمان منذ ذلك الوقت، جاء بتعديل للمادة السالفة، يُحوِّل ضم والدي المنخرط في نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، من مسألة اختيارية إلى إجبارية مع فرض اقتطاعات لفائدة تلك التغطية على جميع موظفي القطاع العام.
الحكومة السابقة دافعت عن مشروع القانون وكذلك الحكومة الحالية، وفي كثير من الأحيان يتم استحضار مبدأ "الرضا" و"العقوق" أثناء مناقشته، لدرجة أن وزيرة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، بسيمة الحقاوي، واجهت النقابات المنتقدة لمشروع القانون بالقول إنهم "لا يريدون رضا الوالدين".
الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، كان قد شدد قبل أسابيع قليلة خلال الندوة التي تعقب اجتماع المجلس الحكومي، على ضرورة الإسراع بإخراج القانون المذكور، مبرزا أنه "مشروع طموح واجتماعي له آثار ملموسة على شرائح واسعة من الموظفين والموظفات في القطاع العام" إذ "سيساهم في تعزيز قدرتهم الشرائية" بحسب تعبيره.
وزير الصحة، أنس الدكالي، من جانبه، دافع عن مبدأ مساهمة الجميع في هذه التغطية بغض النظر عما إذا كان والدا المعني على قيد الحياة أو متوفيان، وذلك انطلاقا من مبدأ "التضامن".
وقال الدكالي خلال جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس النواب، الأسبوع الماضي، إن 200 ألف من المواطنات والمواطنين يرتقب أن يستفيدوا من مشروع القانون السالف، مبرزا أن "المقاربة التضامنية والجماعية مهمة" في هذا الإطار، بمعنى آخر "شي كيخلص على شي".
"هدف مختلف"
البرلماني السابق، والكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، والكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للصحة، علي لطفي، يستحضر مضمون المادة الخامسة من القانون رقم 65.00، وهو يلفت إلى أن حكومة عبد الإله ابن كيران التي أخرجت مشروع القانون الذي يتضمن تعديلا لتلك المادة، حاولت "ترويج مغالطة مفادها أن الأمر يتعلق بمستجد"، في حين أن القانون الجاري به العمل "ينص صراحة على التغطية الصحية للوالدين".
ويلفت المتحدث هنا إلى أن "المنظمة الديمقراطية للشغل كانت وراء مقترح التغطية الصحية للوالدين" قبل أزيد من 15 سنة، إذ يؤكد أنه عمل بنفسه حين كان برلمانيا على تقديم ذلك المقترح إلى وزير الصحة آنذاك، الراحل التهامي الخياري، ليتم ضمه إلى القانون الصادر عام 2002.
في الوقت نفسه، ينبه لطفي إلى أن قانون 2002 جعل ضم المؤمن والديه إلى التأمين الإجباري الأساسي عن المرض "اختياريا"، في حين أن مشروع القانون الذي جاءت به الحكومة السابقة "يفرض الأداء على جميع المنخرطين في الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (كنوبس)، سواء كان الوالدان على قيد الحياة أو متوفيان، وسواء كان لهذين الوالدين ابن واحد أو أكثر فإن جميع المنخرطين من بينهم في الصندوق سيُفرض عليهم الأداء".
انطلاقا من ذلك يرى لطفي أن مشروع القانون المذكور هو "مجرد محاولة لتغطية العجز الذي يعرفه كنوبس بسبب الفساد والتبذير" بمعنى، يضيف نفس المتحدث "أن الأمر يتعلق بعمل ترقيعي هدفه الاستمرار في استنزاف القدرة الشرائية للموظفين وتغطية العجز الحاصل في الصندوق".
وفي الوقت الذي تدافع الحكومة عن مشروع القانون المذكور وعن مبدأ مساهمة الجميع انطلاقا من مبدأ "التضامن الوطني" فإن لطفي يقول إن "التضامن الوطني يجب أن يكون لصالح الفئة الفقيرة من ذوي الدخل المحدود في إطار ما يسمى بالراميد عن طريق الضرائب" أما بالنسبة لآباء وأمهات المنخرطين فهذا أمر يرى ضرورة أن يبقى اختياريا، مشددا في الوقت نفسه على ضرورة أن تكون هناك "عدالة في المساهمة" بمعنى أن "تتوافق نسبة الاقتطاعات مع أجر المعني".
"ما المقابل؟"
"هذه الحكومة جاءت لتجهز على جيوب المغاربة"، تقول عضوة لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية بمجلس المستشارين، خديجة الزومي، في تعليقها على مضمون مشروع القانون المذكور، وهي تشير إلى "أزمة كنوبس" وإلى مسألة "فرض" الاقتطاعات على جميع موظفي القطاع العام لتمويل تلك التغطية، حتى بالنسبة لمن توفي والداه وحتى في الحالات حيث يكون هناك أكثر من ابن منخرط في "كنوبس".
مع ذلك تتحفظ الزومي ضمن تصريحها لـ"أصوات مغاربية" عن إبداء تأييد أو معارضة لمشروع القانون المذكور، وتطرح في المقابل تساؤلا حول ما سيتم تقديمه مقابل الاقتطاعات التي سيتم فرضها لصالح التغطية الصحية للوالدين.
"أصلا لا توجد تغطية صحية" تقول الزومي، وتضيف مؤكدة "لنطالب الناس بالمساهمة في التغطية الصحية يجب أولا توفير بنيات تحتية للصحة".
وتتابع الزومي "نحن مع التضامن ولكن أسسوا أولا البنيات التحتية لنضمن استفادة من يُفترض أن تتم الاقتطاعات لصالحهم، ولنمر بعد ذلك إلى النقاش حول التغطية الصحية" التي "لازالت مساءلة في ظل واقع القطاع بالمغرب" بحسب تعبيرها.
وتستحضر الزومي في هذا الإطار نظام المساعدة الطبية أو "الراميد" المخصص للفئات المعوزة، وهي تتساءل عما تم تقديمه لمن يفترض أنهم يستفيدون من هذا النظام، في إشارة إلى إمكانية تحصيل نفس النتيجة مع الآباء المشمولين بالتغطية مع أبنائهم.
تبعا لذلك تؤكد الزومي "أنا لست مع ولا ضد هذا المشروع، أنا مع المنطق، وتبعا لذلك أقول وفروا البنية التحتية وبعدها طالبوا الناس بالمساهمة".
"التغطية الصحية واجب على الدولة توفيرها للمواطنين كما من الواجب أن يحضر المنطق التضامني" تقول الزومي، غير أنها تؤكد في الوقت نفسه أن السؤال سيبقى مطروحا "سنتضامن وسنساهم مقابل ماذا؟" بمعنى "أين هي الخدمات التي ستقدم والتي على أساسها سيتم الاقتطاع من أجور الموظفين؟".
المصدر: أصوات مغاربية