قد يجهل كثيرون أن هناك لغة أوروبية قريبة إلى حد كبير من اللغة العربية، ومن اللهجات المغاربية بالتحديد.
يتعلق الأمر باللغة المالطية التي تعتبر من اللغات الرسمية في الاتحاد الأوروبي منذ عام 2004، والتي تتضمن كثيرا من المفردات الشبيهة في معناها ونطقها بمفردات عربية.
لغة مألوفة
إذا أراد المالطي تقديم نفسه سيقول "يسمني" بمعنى "اسمي"، وإذا أراد أن يرحب بك في بيته سيقول "مرهبا في دار"، وإذا أراد أن يتمنى لك وجبة لذيذة سيقول "لكلة طيبة".
أما الأرقام فتنطق "ويهد، ثنين، ثلاثة…"، بينما تنطق الأرقام من 11 إلى 19 بشكل شبيه لمنطوق المغاربيين فيقال مثلا "خداش، تناش، ثلطاش…".
ولعل من أكثر الأمور المثيرة بشأن اللغة المالطية، التي تكتب بحروف لاتينية، ما تكشفه "الكانتيلينا" التي توصف بكونها "أقدم نص أدبي مكتوب باللغة المالطية".
و"الكانتيلينا" عبارة عن قصيدة تم العثور عليها في ستينيات القرن الماضي ويرجع تاريخ كتابتها إلى القرن الخامس عشر من طرف بيطروس كاكشارو.
ويمكن بسهولة لمن يستمع لهذه القصيدة المكتوبة بحروف لاتينية أن يلاحظ شبه كلماتها بالعربية.
فعلى سبيل المثال جاءت الأبيات الثلاثة الأولى من هذه القصيدة بالخط اللاتيني على النحو التالي:
Xidew il-qada, ja ġirieni, tale nħadditkom
Ma nsab fil-weri u la nsab f’għomorkom
Qalb m’għandha ħakem, sultan u la mula
تحويل هذه الأبيات إلى الخط العربي مع مراعاة طريقة نطق بعض الحروف بالمالطية، من قبيل X التي تنطق شينا وJ التي تنطق ياء تعطي هذه النتيجة:
شدوا القادة يا جيراني تال نحدثكم
ما نصاب فالوري ولا نصاب فعمركم
قلب ما عندها حاكم، سلطان ولا مولى
الموقع والتاريخ
لفهم هذا التقارب بين اللغتين المالطية والعربية، لا بد من استحضار مجموعة من العوامل ذات الصلة بتاريخ مالطة وكذا موقعها الجغرافي.
توجد مالطة وسط البحر الأبيض المتوسط، وهي تتموقع في منتصف الطريق بين القارتين الأفريقية والأوروبية، مع العلم أنها تنتمي إلى بلدان الاتحاد الأوروبي.
وبخصوص موقعها يقول أحمد فارس الشدياق في كتابه "الواسطة في معرفة أحوال مالطة"، إن"بعض الجغرافيين ألحقوه بأفريقية بالنظر إلى المكان، وبعضهم ألحقه بجزائر إيطاليا بالنظر إلى عادات أهل مالطة وأحوالهم وديانتهم، والمراد بذلك أنها من أوروبا".
أما بالنسبة لتاريخها، فهو يرجع إلى ما قبل الميلاد، وقد تعاقبت عليها الكثير من الحضارات، وكانت عرضة للاحتلال على مدار آلاف السنين بسبب موقعها الاستراتيجي.
تقول الصحافية الألمانية زيغريد ديتلوف، في مقال لها كما جاء مترجما بقلم عارف حجاج على موقع "قنطرة"، إن مالطة "وقعت في الماضي البعيد تحت تأثير قرطاجة والفينيقيين"، وأنه "بعد مضي زمن طويل، أي في عام 1048، أسس مستوطنون صقليون هناك مستعمرة جديدة وكانت صقلية يومها في يد العرب".
نفس المصدر يشير إلى أن النورمانديين الذين غزوا بعد ذلك الجزيرة "لم يبعدوا عنها السكان الناطقين بالعربية"، وهو ما "نجم عنه انصهار مالطة في بوتقة الحضارة العربية حتى القرن الثالث عشر".
ثقافات مختلفة
يبدو إذن بأن موقع وتاريخ مالطة كان لهما أثر كبير على لغة أهلها التي قد تبدو للعربي عموما والمغاربي بالخصوص مألوفة.
في هذا الإطار، يشير بحث نشرته صحيفة "ذي إيكونوميست" البريطانية عام 2015 إلى أن لغة مالطة مثل مجتمعها، هي "نتاج قرون من الاختلاط الثقافي".
المصدر نفسه يقول إن لغة مالطة هي "الناجية الوحيدة من اللهجات العربية المحكية في إسبانيا وصقلية في فترة العصور الوسطى"، كما أنها "اللغة السامية الوحيدة المكتوبة بالخط اللاتيني".
ويتابع في السياق نفسه موضحا أن اللغة المالطية عند التحدث بها "تبدو مثل العربية مع عدد قليل من العبارات الإنجليزية" بينما في كتابتها "تبدو مثل الإيطالية مع مزيج من بعض الرموز الغريبة".
تشابه العربية والمالطية تطرق إليه الشدياق في كتابه الذي يوثق فيه مشاهداته في الجزيرة التي زارها في القرن التاسع عشر، إذ يقول إن "اللغة المالطية فرع من دوحة العربية وشيصة من تمرها، وهي يُتكلم بها في جزيرتي مالطة وغودش، وسواء في ذلك العامة والخاصة"، مردفا أن "هؤلاء يتعلمون أيضا الطليانية والانكليزية لاحتياجهم إلى الأولى في المعاملات والتجارات وكتب الشرع وغيرها ولتنافسهم في الثانية لكونها لغة أرباب الحكم".
ويخلص في فقرة لاحقة إلى أنه "لا شك في كون اللغة المالطية عربية"، غير أنه يضيف "لست أدري أصل هذا الفرع: أشاميٌّ هو أم مغربي، فإن فيها عبارات من كلتا الجهتين والغالب عليها الثانية".
المصدر: أصوات مغاربية