تفوق واضح للإناث تسجله نتائج الاختبارات في مختلف المستويات الدراسية بالمغرب، منذ سنوات، بما في ذلك نتائج امتحانات الحصول على شهادة الباكالوريا.
فخلال هذه السنة مثلا، وصلت نسبة الإناث من مجموع الناجحين في امتحانات الباكالوريا 57.35%، وهي النسبة التي ترتفع في بعض الجهات، كجهة مراكش أسفي لتصل إلى نحو 74%.
ليس هذا فحسب، بل شهدت لائحة المعدلات العشرة الأولى على الصعيد الوطني اكتساحا للإناث، حيث ضمت اللائحة 8 فتيات.
وقد لا يفهم البعض كيف تمكنت الفتيات من تحقيق هذه النتائج في مجتمع كن يعانين فيه حتى وقت قريب من أجل ولوج المدرسة، وما زلن في العديد من المناطق، النائية بالخصوص، ويكابدن من أجل متابعة تعليمهن، غير أن عددا من المختصين يعتبرون تلك الظروف بمثابة محفزات ساهمت في تحقيق هذا التفوق.
اغتنام فرصة تاريخية
تفوق الإناث الدراسي لا تعكسه فقط نتائج امتحانات الباكالوريا، ولكن أيضا نسبة الإناث اللائي يتمكنّ من ولوج بعض الكليات والمعاهد والمدارس العليا.
هذا ما يؤكده الأستاذ الجامعي والباحث في علم الاجتماع علي شعباني، الذي يستحضر ضمن تصريحه لـ"أصوات مغاربية" تجربته في أحد المعاهد العليا حيث تبلغ نسبة الإناث في بعض الفصول التي يدرسها ما يفوق 90% من مجموع الطلبة.
ويفسر المتحدث هذا الأمر بكون "الفتيات في الغالب يكن أكثر انضباطا وتركيزا ودقة من الذكور"، وهو ما يربطه بعدة عوامل، من بينها طريقة التربية والتعامل مع الجنسين، التي تدفع الفتاة إلى اعتبار أن "مستقبلها رهين بإثبات مكانتها عن طريق الدراسة والعمل".
ما يجب استحضاره أيضا لتفسير هذا الأمر، بحسب شعباني، هو أن تمكن الفتيات اليوم من التمدرس والعمل والمشاركة في مختلف مناحي الحياة العامة، "هو نتيجة لتاريخ طويل من نضالات المجتمع المدني وللعديد من التشريعات"، في الوقت الذي يعتبر الذكور كل ذلك بمثابة "حق مكتسب".
بالتالي، يقول شعباني، فإن الفتيات لا يرغبن في تفويت هذه "الفرصة" بل يعملن على اغتنامها كما يجب بإثبات أنفسهن سواء في الدراسة أو العمل، متوقعا انطلاقا مما سلف استمرار تفوق الإناث على الذكور وأن يشمل مجالات أكثر لدرجة قد نصل معها مستقبلا إلى الحديث عن "أنثوية المجتمع وليس ذكوريته".
وسيلة للترقي الاجتماعي
يبدو إذن أن الحرمان من التعليم والعمل ومن المشاركة في الحياة العامة، الذي عانته الفتيات على مدى زمن طويل، ونظرة المجتمع الحالي للفتاة غير المتعلمة، كلها كانت عوامل محفزة للفتيات لإثبات ذواتهن في التعليم أولا والعمل لاحقا.
فالدكتور والباحث الاقتصادي المختص في تأثير التعليم والمؤسسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على الدينامية الاقتصادية، رشيد أوراز، يرى أن "الفئات التي تعاني التهميش غالبا ما تجد في التعليم وسيلة لتعويض قلة الفرص المتاحة لها"، ولذلك "تستثمر وقتا أكبر في التعليم" الذي يعتبر "المصعد الوحيد للترقي الاجتماعي".
ويتابع أوراز تصريحه لـ"أصوات مغاربية" مبرزا أن العديد من الفتيات اليوم يرهن مستقبلهن بالتعليم وبمدى تفوقهن الدراسي الذي يفتح لهن آفاقا خصوصا في سوق الشغل.
في المقابل، فإن تفويت فرصة الترقي بواسطة التعليم، قد يكون سببا في تعرض الفتاة للعديد من المشاكل الاجتماعية.
تصريح المتحدث هذا قد تؤكده العديد من المعطيات الرقمية، التي تكشف ارتفاع نسب تعرض النساء للعنف ولمختلف الظواهر الاجتماعية السلبية كلما قل تحصيلهن العلمي.
تصريح المتحدث قد تفسره أيضا بعض التصورات الاجتماعية لدور المرأة والذي قد يختلف فقط إذا كانت متعلمة وعاملة خلافا للرجل الذي وفي كثير من الأحيان لا يتم رهن مستقبله بالتعليم.
انتصار النضالات النسائية
الناشطة الحقوقية والسياسية، وأستاذة اللغة الانجليزية، فدوى رجواني، من جانبها لا تخفي اعتزازها بـ "التفوق الدراسي للإناث" الذي تعكسه نتائج امتحانات الحصول على شهادة الباكالوريا وأيضا نسبة ولوجهن "المدارس العليا للمهندسين وكليات الطب والصيدلة والتي أصبحن يشكلن أكبر نسبة من طلبتها".
وتعتبر رجواني هذا التفوق الذي تسجله التلميذات والطالبات المغربيات "انتصارا لمسار طويل من النضالات النسائية من أجل تمكين النساء من الدراسة".
كما ترى أنه "تفنيد لكل الأفكار التي تدعي تفوق الذكور الطبيعي أو عدم قدرة النساء على ولوج مجالات كانت لوقت قريب حكرا على الذكور"، ويدل على أنه " متى مُنحت النساء نفس فرص الرجال تحققت المساواة وأن كل حديث عن تفوق طبيعي للرجل هو من وحي التخلف".
في الوقت نفسه تشدد المتحدثة ضمن تصريحها لـ"أصوات مغاربية" على ضرورة أن "يترجم كل هذا على أرض الواقع السياسي للبلد"، إذ "لا يكفي" وفقها أن "تصبح الشابة طبيبة أو مهندسة بينما كل القرارات التي تهم الحياة العامة يتخذها ذكور أحيانا أقل مستوى دراسي وكفاءة منهن".
بالتالي، تقول رجواني إنه يجب أن "يوازي هذا التفوق تشجيع النساء على المشاركة السياسية وتمكينهن على أساس الكفاءة من ولوج مراكز القرار".
المصدر: أصوات مغاربية