تلامس الأصابع الخبيرة للخالة خميسة حبات الدقيق، وببراعة اكتسبتها على مدى سنوات عديدة تحول هذا الدقيق إلى مادة أساسية من طبق أمازيغي تقليدي هو "الكسكس الدياري"، وهي الأكلة التي تتميز بها ولايات الشمال الغربي عامة وسليانة خاصة.
ملكة العولة
الخالة خميسة، أو "خموس" كما يحلو للعديد من سكان الحي القديم من معتمدية برقو من ولاية سليانة، وسط تونس، تسميتها لخفة دمها وامتلاكها روح الدعابة، تتفانى منذ صغرها في إعداد "عولة الكسكس"، وأصبحت من الخبيرات في هذا المجال، وذلك بشهادة جميع جيرانها، إلى درجة أنها صارت تلقب بـ"ملكة العولة".
يوم "العولة" تستفيق هذه المرأة الريفية في الساعات الأولى من الفجر لتقضي شؤونها باكرا، كما أوصتها بذلك والدتها والتي كانت تردد دوما على مسامعها مقولة: "المرا كانها حرة تبكر".
ربطت شعرها بوشاح وردي، وارتدت فستانا جديدا بنفس اللون احتفاء بهذا اليوم الذي تعتبره بمثابة "العرس الصغير"، على حد قولها.
أعدت الخالة خمسية منذ أسبوع ما يلزم من غرابيل وقصاع وملاحف لوضع الكسكس، واستدعت شقيقاتها، واقتنى زوجها العم "رزوقة" الدقيق والملح وحتى الخضر والغلال واللحم للاحتفال.
تبدأ طريقة إعداد "العولة"، وفق الخالة خميسة، بجلب الكسكس "القمح" من المطحنة، لتتم تنقيته وتصفيته وغربلته، ومن ثمة الشروع في إعداده.
أما كسكس الدقيق العادي فتتم تنقيته فقط، مشيرة إلى أنه يضاف القليل من الملح والماء لكلا النوعين.
طهي وغناء
بعد أن صدحت بمقطع من الغناء البدوي الذي يميز معتمدية برقو في مثل هذه المناسبات، تابعت الخالة خمسية حديثها قائلة: "الكسكس ينقسم إلى أنواع، الكسكس المفور وهو الألذ، والكسكس الشمسي الذي لا يتم تفويره وينشر فقط حتي يجف".
تقول "ملكة العولة" إن أهالي الجهة يتولون إعداد "عولة الكسكس" استعدادا لموسم الأفراح والأعراس، ولحفلات الختان، مؤكدة أن إعداد "العولة" يتطلب مهارات لا تمتلكها كل النساء، ولذلك فإن البعض منهن فقط احترفن هذا العمل وبرعن فيه.
في الأثناء، وفي هذه الأجواء البهيجة تدخل، بين الفينة والأخرى، شقيقة خميسة حاملة بين يديها إبريق شاي أحمر، ومع كل إبريق تتعالى ضحكات النساء وترتفع الزغاريد وتردد النكات والحكايات.
وقبل مغادرة النسوة تصر الخالة خميسة أن يتناول الجميع الكسكس الحار والشهي المعد بلحم الخروف وبالتحديد بلحمة "المسلان"، وهو الطبق المميز في هذه الجهة، وتحرص كذلك.
وكما دأبت على ذلك كل سنة، على تقديم أطباق من هذا الكسكس إلى جميع جيرانها، في ترسيخ لعادة قديمة توارثها الآباء عن الأجداد.
المصدر: وكالة الأنباء التونسية