في الآونة الأخيرة تحولت صيغة هذا السؤال أيضا إلى "ما هي مصالح تركيا في ليبيا؟". وفي حين يعتقد البعض أن التدخل التركي في هذا البلد المغاربي يحمل بذورا أيديولوجية في صراع الاصطفاف الإقليمي بين معسكر "الإمارات، السعودية ومصر" ومعسكر "قطر وتركيا"، يرى محللون آخرون في اتصال مع "أصوات مغاربية" أن المصالح الاقتصادية والتجارية تدفع أيضا أنقرة إلى التدخل في الحرب الدائرة في ليبيا.
وقد وصف المشير الليبي خليفة حفتر هذا التدخل بـ"الغزو التركي"، مهددا باستهداف المصالح التركية في ليبيا، وهو ما توعدت أنقرة بالرد عليه بقوة.
ولا تخفي تركيا دعمها العسكري لقوات الوفاق، إذ أكد الرئيس التركي طيب رجب أردوغان، في يونيو الماضي، أن بلاده تزوّد حكومة طرابلس بالسلاح، معتبرا ذلك ضروريا "لإعادة التوازن" في الحرب ضد حفتر.
وبلغ هذا الدعم ذروته في معركة غريان، التي أدت إلى خسارة قوات حفتر قاعدتها الخلفية الرئيسية البعيدة عن طرابلس بحوالي 100 كيلومتر.
وعقب ذلك، قال المتحدث باسم قوات حفتر اللواء أحمد المسماري إن تركيا "تتدخل في المعركة مباشرة، بجنودها وطائراتها وسفنها"، مؤكدا أن إمدادات الأسلحة والذخيرة "تصل إلى قوات حكومة الوفاق عبر المتوسط".
المصالح الاقتصادية
يقول المحلل السياسي الليبي، إسماعيل السنوسي، إن "تركيا ظهرت كطرف في النزاع الليبي لحماية مصالحها الاقتصادية بعد الحملة التي شنها حفتر على العاصمة الليبية"، معتبرا أن "الرجل (يقصد حفتر) محسوب على أطراف دولية أخرى تتنافس مع الأتراك".
ويضيف، في اتصال مع "أصوات مغاربية"، أن "تركيا لها عقود اقتصادية وصفقات تجارية في ليبيا تتجاوز 20 مليار دولار"، مشيرا إلى أن هذه العقود تعود إلى فترة حكم النظام السابق، لكن "تم تجديد بعضها خلال زيارة السراج إلى تركيا الأسبوع الماضي".
وقد زار رئيس حكومة الوفاق الليبية، فائز السراج، يوم الجمعة الماضي، إسطنبول والتقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي جدد دعمه للحكومة المعترف بها دوليا وحض على إنهاء ما سمّاها "الهجمات غير الشرعية لقوات حفتر".
وينفي إسماعيل السنوسي وجود خلفيات أيديولوجية وراء التدخل التركي في ليبيا، قائلا إن "الشعب الليبي شعب متجانس، وليس هناك أي محاولة لغرس الصراع الأيديولوجي في البلد"، مشيرا إلى أن "تركيا تنظر إلى حفتر بعين الريبة، فمحاولة اجتياحه لطرابلس تهدد مصالحها الاقتصادية، وأيضا لأن الاستثمار يحتاج إلى استقرار أمني".
وبشأن ما تستفيده حكومة الوفاق من هذه العلاقات، يقول: "من مصلحة حكومة الوفاق التمتع بعلاقات وطيدة مع دولة لها مصلحة اقتصادية في البلد، وقد ظهر هذا من خلال توقيع عقود لإنشاء مشاريع تركية في مختلف أنحاء ليبيا وليس في طرابلس فقط".
وتستثمر تركيا بالدرجة الأولى في قطاعات البناء في ليبيا، ويُعتبر مشروع بناء جامع بنغازي الأبرز، لكن مشاريع بناء أخرى في سبها وطبرق ومناطق أخرى في الجنوب جعلت هذا البلد الثالث في قائمة البلدان الأكثر استثمارا في ليبيا.
الصراع أيديولوجي أيضا
في المقابل، يقول الباحث التركي والأستاذ الجامعي في القانون الدولي العام والعلاقات الدولية، سمير صالحة، إن "الاصطفافات الإقليمية في التعامل مع الملف الليبي هي لحد الآن التي تحرك القرار التركي في ليبيا"، مؤكدا وجود "صراع أيديولوجي بين محورين يتجاذبان منطقة الشرق الأوسط".
ويضيف، في اتصال مع "أصوات مغاربية"، أن "تطورات المشهد في ليبيا مرتبطة مباشرة بالتحولات في سياسة تركيا الخارجية في العقد الأخير، وتحديدا مع حكومة حزب العدالة والتنمية".
وتابع: "سياسة تركيا الخارجية حاولت أن تنطلق في اتجاه القارة الأفريقية، وبالتحديد شمال أفريقيا، وكانت لها أكثر من خطوة استراتيجية باتجاه تونس وليبيا".
ويشدد الأكاديمي التركي على أن "النقطة الأهم التي لم تعد خافية الآن وهي أن ما يجري في ليبيا هو عملية اصطفاف إقليمي، وتركيا في إطار هذه الاصطفافات الإقليمية أيضا تحاول أن تتموضع وأن تحافظ على موقعها الاستراتيجي الإقليمي".
ولا ينفي سمير صالحة وجود مطامع اقتصادية لتركيا في ليبيا، إذ يؤكد أنها "لا تريد أن تتخلى عن هذه الاستثمارات والمصالح التجارية التي تصل إلى 20 مليار دولار"، لكن يعود ويؤكد أن "التجاذبات الإقليمية هي التي تحرك القرار التركي في الساحة الليبية".
المصدر: أصوات مغاربية