البرلمان المغربي
جلسة برلمانية لمجلس النواب في المغرب (أرشيف)

أثار رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، مؤخرا، النقاش مجددا حول مشاركة الجالية المغربية بالخارج في الانتخابات التشريعية لـ2021. 

وقال العثماني، أمام البرلمان، إن هذا الموضوع "يحتاج إلى حوار موسع"، لكنه وعد بأن تُمكّن "الحكومة خمسة ملايين مهاجر مغربي من المشاركة في الانتخابات"، دون أن يحدد بالضبط إن كان يعني الانتخابات المقبلة. 

وانتقد ممثلون للجاليات في أوروبا تدخل العثماني، وقال رئيس مرصد التواصل والهجرة، جمال الدين ريان، لـ"أصوات مغاربية"، إن ما تقوم به الحكومة هو "سياسة النعامة"، داعيا المهاجرين إلى "ممارسة المزيد من الضغط في هذا الملف لتفعيل الدستور".

وينص الفصل 17 من دستور 2011 على أن المغاربة المقيمين بالخارج يتمتعون "بحقوق المواطنة كاملة، بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات. ويمكنهم تقديم ترشيحاتهم للانتخابات على مستوى اللوائح والدوائر الانتخابية، المحلية والجهوية والوطنية. ويحدد القانون المعايير الخاصة بالأهلية للانتخاب وحالات التنافي".

عوائق قضائية ولوجيستية

يؤكد الباحث في مجلس الجالية المغربية بالخارج (مؤسسة رسمية)، محمد الصيباري، أن "المشاركة السياسية للجالية المغربية بالخارج حق دستوري، ما يعني ضرورة تعديل القانون الحالي ووضع آليات لحل بعض الإشكالات القضائية واللوجيستية"، التي تحول دون إشراك مغاربة المهجر في العملية السياسية.

وهناك عوائق كثيرة تجعل مهمة تنظيم الانتخابات في بلدان إقامة المهاجرين عملية صعبة، منها وجود هؤلاء في أكثر من 100 بلد، ما يعني أن الحكومة مطالبة بتنظيم الانتخابات في كل هذه البلدان. لكن التحدي الأكبر هو أن المغرب غير ممثل ديبلوماسيا في بعض البلدان التي يتواجد بها المهاجرون في أفريقيا وأميركا الجنوبية.

وهناك مشاكل أخرى منها ضرورة الحسم في طريقة التصويت وتقسيم الدوائر الانتخابية ومصير الطعون الانتخابية مستقبلا.

وفي هذا الصدد، يقول الصيباري لـ"أصوات مغاربية" إن "القانون يجب أن يحدد بالضبط هل سيكون التصويت إلكترونيا أو عبر البريد بالنسبة للدول التي لا يتوفر فيها المغرب على تمثيليات دبلوماسية".

وتابع: "بخصوص الطعون الانتخابية، فيُطرح سؤال الجهة المخولة في البت في هذه الطعون. أما تقسيم الدوائر الانتخابية، فيجب الحسم في طبيعتها هل ستكون حسب الدول أو الجهات، مثل 'جهة العالم العربي'، و'جهة أوروبا'، و'جهة أميركا' وغيرها".

وليست هذه العوائق الوحيدة التي تواجه مشاركة الجالية المغربية في الانتخابات، فـ"هناك أيضا مشكلة تتعلق بمنع بعض الدول الأوروبية لازدواجية الجنسية مثل إسبانيا، ما يعني فعلياً أن التصويت في الانتخابات الإسبانية والمغربية في الوقت نفسه مسألة غير ممكنة"، يقول الصيباري.

ويؤكد الباحث، الذي يشغل منصب المكلف بمهمة في مجلس الجالية المغربية بالخارج، أن "الحكومة وليس مجلس الجالية هي المطالبة بالإجابة عن هذه الإشكالات، خاصة وأنها السلطة التنفيذية هنا"، مشيرا إلى أن "المجلس مؤسسة رسمية بالفعل، لكنه مجرد هيئة استشارية تعطي رأيها وقد قامت بذلك، لكنها لن تستطيع تشريع القوانين أو تنفيذها".

واتصلت "أصوات مغاربية" بالناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، مصطفى الخلفي، لكنه رفض الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بمشاركة الجالية المغربية في الانتخابات المقبلة في الوقت الراهن.

وفي وقت سابق، أكد رئيس الحكومة أن إشراك مغاربة الخارج في العملية السياسية "يحتاج إلى نقاش موسع بين جميع الأحزاب السياسية".

وقال إن الحكومة "منكبّة على استكمال الرؤية بهذا الشأن، وذلك وفق مقاربة تشاركية وتشاورية، تقوم على تعميق النقاش مع كافة المتدخلين الحكوميين والفاعلين السياسيين وفعاليات المجتمع المدني من مغاربة العالم، للوصول إلى توافق حول مختلف القضايا التي تندرج في هذا الإطار".

محلل: الحكومة في وضع لا تُحسد عليه

يقول رئيس مرصد التواصل والهجرة، جمال الدين ريان، إن "رئيس الحكومة لم يتطرق نهائيا إلى انتظاراتنا فيما يتعلق بتفعيل مواد الدستور"، مضيفا "بعد ثماني سنوات من الجمود يظهر أن مصير مجلسنا سيكون مثل مصير المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية (الكوركاس)".

و"الكوركاس" هو هيئة استشارية أسسها العاهل المغربي الحسن الثاني في 1981، وأعاد الملك محمد السادس في 2006 تفعيلها للدفاع عن موقف المغرب بشأن الصحراء الغربية والتفاوض مع البوليساريو، لكن دورها بقي هامشيا.  

ويتهم جمال الدين ريان رئيس الحكومة المغربية بـ"الهروب إلى الأمام كما فعل من قبل رئيس الحكومة السابق عبد الإله ابن كيران، والوزراء الأولين عباس الفاسي وإدريس جطو وعبد الرحمان اليوسفي. لا أحد أراد تفعيل المشاركة السياسية لأزيد من 5 ملايين مغربي في العالم".

وفي اتصال مع "أصوات مغاربية"، يقول الباحث السياسي، محمد بودن، إن "بعض الأحزاب السياسية المغربية أضحت تتوفر على فروع في أكثر من بلد أوروبي، لهذا آن الأوان لتفعيل النصوص الدستورية التي تجعل مغاربة العالم جزءا من النسيج الوطني".

ويعتقد أن المغرب بحاجة اليوم إلى قانون يحسم هذا الأمر، داعيا الأحزاب السياسية إلى أن تلعب دورها في إخراج هذا القانون من البرلمان في أفق مشاركة المغاربة في الانتخابات التشريعية لـ2021.

ويؤكد بودن أن الجالية المغربية في الخارج أدلت برأيها في دستور 2011، "ولا يمكن أن يستمر حرمانها من حقوقها في التصويت وفي تولي بعض المناصب داخل مؤسسات الدولة كما ينص على ذلك الدستور".

وبالفعل، فالفصل 18 من الدستور يؤكد على ضرورة أن "تعمل السلطات العمومية على ضمان أوسع مشاركة ممكنة للمغاربة المقيمين في الخارج، في المؤسسات الاستشارية، وهيئات الحكامة الجيدة، التي يحدثها الدستور أو القانون".

ويقترح بودن أن يستلهم المغرب تجارب دول أخرى نجحت في مجال إدماج جالياتها، لكن يعتبر نفسه أكثر واقعية، إذ يرى أن "الحكومة في وضع لا تُحسد عليه، خاصة وأنها مطالبة بالإجابة عن إشكاليات مثل: هل سيشارك مغاربة إسرائيل في الانتخابات، وهل يجب تخصيص كوطا للجالية، وأيضا كيف يمكن أن يُدبّر مهاجرٌ في أوروبا شؤون مقاطعة انتخابية في المغرب".

 

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة