شهدت تونس في الأيام الماضية موجات جديدة من الهجرة السرية تزامنت مع القصف الجوي الذي استهدف مركزا للمهاجرين في ليبيا، ما أدى إلى وفاة أكثر من 53 شخصا وإصابة ما يزيد عن 130 آخرين بجروح.
ففي ظرف يومين فقط، تمكّنت السلطات التونسية من إنقاذ 12 شخصا، من بينهم طفلة تبلغ من العمر ثلاث سنوات بسواحل قرقنة، كانوا يتجهون إلى إيطاليا. كما أحبط حرس السواحل في صفاقس عملية أخرى لحوالي 90 مهاجرا من جنسيات أفريقية. وفي ولاية مدنين، أُلقي القبض على سبعة أشخاص كانوا في طريقهم للهجرة "خلسة" إلى أوروبا.
ويرى خبراء في الهجرة، اتصلت بهم "أصوات مغاربية"، أن المهاجرين "لا يحسون بالأمان في ليبيا" بعد القصف الذي طال مركز إيواء المهاجرين بتاجوراء، لكن هناك أيضا أسباب أخرى متعلقة بسياسة إيطاليا المتشددة حيال الهجرة، وتعاون الليبيين مع الحكومة اليمينية في روما.
ليبيا "تنفذ" سياسة إيطاليا
ففي اتصال مع الخبير التونسي في قضايا الهجرة، عماد السلطاني، يقول الأخير إن سبب تنامي ظاهرة الهجرة السرية في الآونة الأخيرة هي "سياسة الأبواب المغلقة التي اعتمدتها إيطاليا منذ صعود اليمن في هذا البلد الأوروبي".
وفي العام الماضي، تولّت حكومة جديدة تتزعمها حركة النجوم الخمسة الشعبوية ورابطة الشمال اليمينة زمام السلطة في إيطاليا، ووضعت ضمن أهدافها إنشاء مراكز لاحتجاز المهاجرين في دول شمال أفريقيا. كما أكدت رفضها التام لرسو سفن الإنقاذ التابعة لمنظمات إغاثة غير حكومية في مرافئها.
وفي هذا الصدد، يؤكد السلطاني أن "حكومة الوفاق رضخت لبعض الضغوط الإيطالية، فأصبح خفر السواحل الليبي متعاونا بدرجة كبيرة مع الإيطاليين، إذ أصبح هو الذي يتكلف باعتقال المهاجرين في البحر ويضعهم في مراكز إيواء المهاجرين" في هذا البلد المغاربي، الذي يعاني من الاقتتال الداخلي منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011.
وتحاول منظمات تونسية دفع حكومة يوسف الشاهد إلى رفض الإملاءات الإيطالية وإجراءاتها المتشددة ضد الهجرة السرية، إذ تعتبر أن تعاون تونس مع روما في هذا المجال "ينتهك سيادة البلد".
وقد طالب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، اليوم الأربعاء، بتوضيحات للرأي العام الوطني حول "كل ما يسمى بالتعاون الثنائي بين تونس وإيطاليا في مجال مقاومة الهجرة غير النظامية وجوانبه الأمنية والعسكرية".
وأشار، في بيان، إلى أن "هذا التعاون يمس من سيادة البلاد ومن حقوق المهاجرين في تجاهل للقوانين الدولية المصادق عليها"، معبرا عن إدانته لما سمّاها "تصريحات عنصرية لوزراء إيطاليين تنتهك الحقوق الإنسانية للمهاجرين".
تأتي هذه التطورات، بعد أن "قالت وزيرة الدفاع الإيطالية، إليزابيتا ترينتا، في تصريح ما مفاده قرب وصول قوات عسكرية إيطالية إلى سواحل تونس للمساهمة في ضمان ضبط الحدود البحرية للحد من التدفقات الهجرية"، يقول المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
ويؤكد عماد السلطاني أن "تونس ترفض الدور الذي تعلبه أطراف ليبية، فبعض الأطراف السياسية هناك تستخدم الهجرة من أجل مداهنة إيطاليا حينا والضغط عليها في أحيان أخرى، وكل ذلك من أجل موقف إيطالي داعم لها في الحرب".
ويعتقد أن الأزمة في ليبيا ستجعل باستمرار الوجهة المفضلة للمهاجرين الأفارقة هي تونس، "ليس لأننا بلد يوفر الحماية للمهاجرين، إنما لأننا نقطة العبور الوحيدة المتبقية للوصول إلى إيطاليا".
"ليبيا لم تعد آمنة"
من جانب آخر، يقول رئيس فرع الهلال الأحمر بمدنين، المنجي سليم، إن "ظاهرة الهجرة تفاقمت في ولاية مدنين بشكل كبير في الآونة الأخيرة"، مشيرا إلى أن "الزوارق تغرق والناس تموت، والدليل المأساة الأخيرة للأسبوع الماضي".
وقد أعلن الهلال الأحمر التونسي، يوم السبت الماضي، انتشال 12 جثة قبالة السواحل الجنوبية للبلاد، بعد أيام على غرق قارب مطاطي كان يقل أكثر من 80 مهاجرا، نجا منهم أربعة أشخاص فقط، فيما بات الآخرون في عداد المفقودين.
ويضيف سليم، في تصريحات لـ"أصوات مغاربية"، أن "قصف مراكز إيواء المهاجرين في ليبيا وإساءة معاملتهم جعلهم يفضلون اللجوء إلى تونس، التي توفر قوانين وحماية أفضل، لكن هناك تخوف حكومي من أن البلد لوحدها غير قادرة على التعامل مع التدفقات الكبيرة للمهاجرين الأفارقة، في ظل غياب مساعدات أوروبية".
وقال أيضا إن المركز، الذي يشرف عليه في مدنين، "يستقبل الآن حوالي 1100 مهاجر، وهو عدد هائل بالمقارنة مع الطاقة الاستيعابية لهذا المركز"، مضيفا "لن تصدق حجم الاكتظاظ الذي نعاني منه".
ويتوقع سليم أن ترتفع أعداد المهاجرين إلى تونس في الأشهر المقبلة، مشيرا إلى أن "ليبيا لم تعد آمنة، وسيتسمر الوضع هكذا لمدة. لن يكون أمام تونس سوى إعداد نفسها لوجيستيا أو الضغط على الفرقاء في ليبيا لإنهاء الاقتتال".
المصدر: أصوات مغاربية