كشفت المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة رسمية مغربية)، في آخر تقرير لها، أن معدل النمو المحقق في 2019 سيتوقف عند عتبة 2.8 في المئة، مقارنة بـ3.5 في المئة خلال العام الماضي، ما يعني تباطؤا في نمو الاقتصاد المغربي، الذي لا يزال يبحث عن نموذج تنموي ناجح يتخلص من الاعتماد بدرجة كبيرة على الزراعة.
وأكدت المندوبية انخفاض أنشطة القطاع الزراعي بنسبة 3.2 في المئة عوض ارتفاع نسبته 4 في المئة السنة الماضية، مشيرة إلى أن الارتفاعات التي حققتها بعض القطاعات مثل الصناعات التحويلية والخدمات، لم تستطع تغطية التراجع في المجال الزراعي، ما أدى إلى تراجع شامل لنسبة النمو.
ويشرح خبراء اقتصاد لـ"أصوات مغاربية" أسباب تراجع الاقتصاد وتباطؤ النمو، معتبرين أن "المعضلة الكبيرة التي يعاني منها الاقتصاد المغربي هي الاعتماد على الزراعة في بلد ليس زراعيا بامتياز، فالبلد يرهن اقتصاده بالتساقطات المطرية، وعوامل أخرى لا تصنع الثروة".
الموساوي: اقتصادنا يستجدي الغيوم
في هذا السياق، قال أستاذ الاقتصاد بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي عبد الخالق التهامي إن "ما وقع هذا العام ليس جديدا، فاقتصادنا مرتبط بالتقلبات المناخية. عندما تكون السنوات ماطرة يحقق الاقتصاد نسب نمو مرتفعة، والعكس صحيح".
وأضاف، في اتصال مع "أصوات مغاربية"، أن "الجهود المبذولة لتخليص الاقتصاد من الاعتماد على التساقطات المطرية لم تؤد إلى نتائج ملموسة لحد الساعة، فالقطاع الزراعي يساهم بـ15 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي للبلد، وهي نسبة عالية جدا".
ويعتمد المغرب على القطاع الزراعي بدرجة أكبر من القطاعين السياحي والصناعي، رغم أنه أطلق في 2014 مخططا لتسريع التنمية الصناعية 2014-2020، يسعى إلى تعزيز صناعة السيارات والطيران.
وفي هذا الصدد، أكد الخبير الاقتصادي أن "المغرب يعيش مفارقة عجيبة، إذ رغم كل الأرقام التي يمكن أن تحققها القطاعات الأخرى تظل عاجزة عن تغطية التراجع في المجال الزراعي، وهذا مرتبط بالخيارات الاستراتيجية التي اعتنقتها المملكة منذ الاستقلال".
وغالبا ما ينتقد خبراء الاقتصاد اعتماد المغرب على التساقطات المطرية، رغم أن المناخ الجاف لشمال أفريقيا يجعل التحكم في الأرقام الاقتصادية مهمة مستحيلة، خاصة مع التغير المناخي الذي طبع العالم في العقود الماضية.
وبخصوص تأثير تراجع معدلات النمو على المغاربة، قال عبد الخالق التهامي "عندما يكون معدل النمو منخفضا، يكون التشغيل أيضا منخفضا، ما يعني أن معدلات البطالة ستزداد هذا العام".
وتابع "نقطة واحدة من النمو (1 في المئة) تخلق في المغرب حوالي 30 ألف منصب شغل".
وحذر من أن "الهدف الذي وضعته الحكومة وهو خفض مستوى البطالة إلى أقل من 8 في المئة سيكون صعبا في الظروف الحالية"، مشيرا أيضا إلى أن هناك مجموعة من الانعكاسات السلبية الأخرى على الاقتصاد منها ارتفاع عجز الميزان التجاري إلى أكثر من 8 بالمئة في 2019.
وفي الوقت الحالي يبلغ العجز التجاري في المغرب حوالي 21.3 مليار دولار.
وخلص التهامي إلى أن "اقتصادنا يستجدي الغيوم، وهذا سيؤدي كل عام إلى نقاش حول اختيار المغرب الاعتماد على الزراعة بدرجة أساسية".
أقصبي: المغرب لم يطور القطاع الصناعي
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي المغربي عز الدين أقصبي، في حديثه لـ"أصوات مغاربية"، أنه "بعد 40 سنة من متابعة الوضع الاقتصادي في المغرب، أصبحنا نعرف بلا جهد كبير سبب تباطؤ الاقتصاد الوطني، فهذا الأخير يعاني من معضلة بنيوية تتمثل في الاعتماد على الزراعة"، مضيفا "هذا ما يجعل النمو الاقتصادي ضعيفا باستمرار، إذ يتراوح ما بين 1.5 في المئة و5 في المئة في أفضل حالاته".
وقال إن المغرب "لم يبذل المجهود اللازم لتطوير اقتصاده، خاصة في القطاع الصناعي".
وأشار إلى أن "تباطؤ النمو يؤثر على مداخيل الأسر والتشغيل، في وقت يحتاج المغرب إلى مزيد من فرص الشغل للشباب العاطل".
وسنويا، يخلق المغرب ما يقرب من 120 ألف منصب شغل جديد، رغم أن حاجيات البلد في هذا المجال تصل إلى 300 ألف للتغلب على البطالة.
وفي هذا السياق، أفاد عز الدين أقصبي بأن "الفرق بين ما تخلقه الحكومة من مناصب الشغل والحاجيات الحقيقية للخريجين الجدد من الجامعات يؤدي إلى البطالة في صفوف الشباب المتعلم، وهذه ظاهرة خطيرة نعاني منها في المغرب".
واعتبر أن النموذج التنموي للمملكة "يعيش أزمة حقيقية، إذ يفتقر إلى رؤية واضحة لكيف يجب أن يكون الوضع الاقتصادي والاجتماعي في السنوات المقبلة".
وبالنسبة لعجز الاستثمارات الخارجية عن تغطية التراجع في المجال الزراعي في 2019، قال إن "الكثير من الاستثمارات الأجنبية التي يستقطبها المغرب لا توفر مناصب الشغل وليس لها تأثير كبير على مستوى النمو الاقتصادي ككل، فمثلا عندما يقوم مستثمر أجنبي بشراء مصنع محلي أو فندق كبير لا يخلق مناصب جديدة ولا يخلق الثروة، إنما تنتقل الملكية من طرف مغربي إلى طرف أجنبي فقط".
ويرى الخبير الاقتصادي أن "وتيرة النمو الضعيفة والمتقلبة في المغرب ناتجة عن النموذج التنموي للبلد، ومشاكل منها انتشار اقتصاد الريع، عوض الاعتماد على اقتصاد يخلق الثروة".
المصدر: أصوات مغاربية