Logos

أصوات مغاربية الآن علي موقع الحرة

اضغط. هنا لزيارة موقع الحرة

عبد الإله بنكيران (يمين) وسعد الدين العثماني (يسار)
عبد الإله ابن كيران (يمين) وسعد الدين العثماني (يسار) - صورة مركبة

يعيش حزب العدالة والتنمية، ذو المرجعية الإسلامية، والذي يقود الحكومة المغربية، حالة انقسام سياسي غير مسبوقة بعد تصويت أعضائه في لجنة التعليم بمجلس النواب، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لإصلاح التعليم، والمعروف بـ"قانون فرنسة التعليم".

ويرفض التيار المحسوب على رئيس الحكومة السابق، عبد الإله ابن كيران، التصويت على القانون.

ووفق وسائل إعلام محلية فإنه من المقرر التصويت على القانون في جلسة عامة لمجلس النوب.

واعتبر رئيس الحكومة المغربية السابق، في فيديو نشره على فيسبوك، التصويت على القانون "خطأ فادحا وتنازلا سياسيا عن هوية الحزب ومرجعيته الإسلامية لصالح أتباع النفوذ الاستعماري في المغرب"، منتقدا بشدّة الأمين العام الحالي للعدالة والتنمية ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني.

وفي أول رد فعل للعثماني، رفض الأخير، يوم الأحد، أي حديث عن "التراجع عن المبادئ والمرجعيات"، مضيفا: "العدالة والتنمية حزب مؤسسات، وليس حزب أفراد، ويجب أن يعتز بمؤسساته، وبدون مؤسسات فلا معنى للحزب".

وفي اتصال مع "أصوات مغاربية"، أكد محللون أن ما يحدث داخل الحزب الإسلامي، المعروف سابقا بتماسكه، بوادر انشقاق بين كتلتين متناقضتين، معتبرين أن هذا الأمر بدأ منذ قبول العثماني التعيين الملكي لتشكيل الحكومة وإعفاء ابن كيران من المهمة.

بوادر انشقاق

قال أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بكلية الحقوق بوجدة، بنيونس المرزوقي، إن ما يحدث اليوم في حزب العدالة والتنمية يعود إلى مرحلة ما يعرف في المغرب بـ"البلوكاج السياسي"، التي أدت إلى إعفاء عبد الإله ابن كيران من مهمة تشكيل الحكومة وتعيين بدلا منه سعد الدين العثماني.

وأضاف المرزوقي: "عندما اختار الملك العثماني لتشكيل الحكومة الجديدة انقسم الحزب إلى تيارين؛ أنصار ابن كيران الذين يرفضون مجاراة الدولة في مساعيها لتشكيل الحكومة وفق تحالفات معينة، وأنصار العثماني الذين أُطلق عليهم تيار الاستوزار، واعتبروا أن من حق العثماني تشكيل الحكومة التي تنسجم مع خياراته".

​​وأكد بنيونس المرزوقي أن ابن كيران "منذ ذلك الحين إلى الآن لم يتوقف عن محاولة إثبات ذاته وحشد أنصاره. وكان هذا يتم باستمرار عن طريق انتقادات حزبية للعثماني أو انتقادات لمنطق الحكومة التي يترأسها العثماني".

وتابع المتحدث: "في كل مرة، كانت هذه المناوشات تنتهي بسلاسة، لكن الذي سرع في ظهور بوادر انشقاق في حزب العدالة والتنمية هو القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتعليم، فقد أدّت تصريحات ابن كيران إلى اصطفاف من نوع جديد بلغ أوجه باستقالة رئيس الفريق في البرلمان".

وقدم رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، إدريس الأزمي، استقالته، يوم السبت، من مهامه رئيسا لفريق العدالة والتنمية بمجلس النواب مباشرة بعد التصويت على القانون الإطار للتربية والتعليم.

وهدد ابن كيران أيضا بمغادرة الحزب قائلا: "فكرت كثيرا أن أغادر الحزب، حيث أنني لم أعد أشعر بأنه يشرفني أن أنتمي إلى حزب أمانته العامة تتخذ هذا القرار مهما كانت الدوافع".   

وشدد المرزوقي على أن ابن كيران "استغل الفرصة، إذ يعرف أن وجدان الشعب يعتبر العربية لغة القرآن والدفاع عنها بمثابة الدفاع عن الدين الإسلامي فحاول إحراج العثماني"، لكن هذه المرة الانتقادات "كانت حادة وتنبئ ببوادر ظهور كتلتين سياسيتين متناقضتين قابلتين للانشقاق داخل العدالة والتنمية".

حزب جديد في الأفق

من جانبه، أكد المحلل السياسي المغربي، عبد الرحيم العلام، أن "ابن كيران اليوم يضغط ومعه فريق كبير غير راض عن تنازلات العثماني، لأنهم يدركون أن الانتخابات المقبلة ستكون كارثية على العدالة والتنمية، فوجدوا الفرصة في تحميل وزراء الحزب المسؤولية الكاملة".

وأضاف العلام، في اتصال مع "أصوات مغاربية"، أنه كان شخصيا يرفض اعتبار ما يقع داخل حزب الإسلاميين علامة على الانهيار، "لكن اليوم بدأت الأمور تتجه إلى أسوأ مما كنا نتوقع، فالحزب أكمل دورته بسرعة قياسية ويتجه إلى المجهول".

​​وأكد العلام أن ابن كيران "يستخدم في هذه المعركة كل أسلحته الأيديولوجية والمزايدات في الأمور العقدية مثل التنازل عن المرجعية الإسلامية، لكن الحقيقة هي أن الرجل كان يبحث منذ مدة عن الفرصة المواتية لتصفية حسابات سابقة".

وتوقع المحلل السياسي المغربي أن يترشح ابن كيران مجددا للوصول إلى الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، قائلا: "لو حدث هذا السيناريو فسنكون مجددا أمام مأزق صعب، إذ سيكون مضطرا للتعامل مع فريق العثماني، الذي قد يلجأ إلى الانشقاق وتأسيس حزب جديد".

ولم يستبعد أن يكون الصراع بين ابن كيران والعثماني "صراعا شخصيا في العمق"، معتبرا أن "الأول لم يغفر للثاني قبوله التعيين الملكي وتشكيل حكومة ضمت تيارات كان يرفضها ابن كيران".

"ابن كيران لو ظل في رئاسة الحكومة لقام بتمرير قانون إصلاح التعليم وقدم تنازلات ووجد لذلك المبررات الكافية، وهو في الأصل من يقف وراء المصداقة على اتفاقية سيداو"، يقول العلام.

وفي 2015 قام ابن كيران بالمصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، واعتبر معارضون آنذاك الخطوة تراجعا عن مبادئ الحزب المتحفظة عن بعض مواد هذه الاتفاقية.

وختم العلام تصريحه قائلا: "الخلافات الجوهرية ومجريات الأمور داخل الحكومة تشير إلى أن حزبا جديدا بمرجعية إسلامية قادم في الأفق".

انتصار المقاصد 

في المقابل، لا يتفق المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسة والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، عمر الشرقاوي، مع من يعتقدون أن الحزب "مقبل بلا شك على انشقاق"، مضيفا أن العدالة والتنمية "يتوفر على الكثير من مصادر القوة الأيديولوجية تجعله غير خاضع للتصدع".

وأضاف الشرقاوي: "منذ أن دخل الحياة السياسية في 1996، تلقى هذا الحزب العديد من الضربات وظل عصيا على الانفجار الداخلي، لأن الجانب المقاصدي، مثل مفاهيم الوسطية والاعتدال وجلب المصالح ودرء المفاسد، وغيرها من المفاهيم الدينية، تجعله قادرا على امتصاص الصدمات".

ابن كيران والعثماني عندما كان في المعارضة
ابن كيران والعثماني عندما كان في المعارضة

​​واعتبر الشرقاوي أن "الأزمة الحالية ستؤدي مجددا إلى ظهور توافقات محافظة بين أقطاب الحزب في اتجاه الحفاظ على تماسك ووحدة هذا الكيان، فليس هناك قيادي واحد من نخبة العثماني أو تيار ابن كيران لديه الجرأة للذهاب إلى الانشقاق".

وبخصوص مآل صراع العثماني وابن كيران، قال المحلل السياسي إن "النخبة التي يقودها العثماني أقوى مما يعتقد البعض، فجُلّ الأطر المنتمية للحزب تقف إلى جانبه. صحيح أن ابن كيران لديه رصيد رمزي، إلا أن العثماني لديه إمكانيات سياسية وإدارية تجعله الأقوى في المعارك المقبلة".

وتابع المتحدث: "الصراع اليوم هو صراع المؤسسات (العثماني) والزعامة (ابن كيران)، والحزب انتصر للأول في المحطات الماضية ولا أعتقد أنه سيتراجع عن هذا الخط".

أما بالنسبة لإمكانية عودة ابن كيران إلى الحياة السياسية عبر تولي الأمانة العام للحزب، اعتبر أن "عنصر المفاجأة موجود في الممارسة السياسة، لكن السوابق في الحياة السياسية المغربية تؤكد أن الزعماء عندما يخرجون لا يرجعون، وهذا ما يؤكده التقاعد الاستثنائي الذي منحه الملك لعبد الإله ابن كيران".

وحتى في حالة رغبة ابن كيران في العودة، فـ"إنه يجب أن يستعد لحرب سياسية ومواجهة مع الدولة، وهذا ما لن يسمح به قادة العدالة والتنمية الذين يقرأون السياقات ويتصرفون بناء على هذه القراءات"، يقول الشرقاوي.

 

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة