يكشف الأمين العام لرئاسة الجمهورية بالجزائر، نور الدين عيادي،موقف الرئاسة من تأجيل الانتخابات.
ويتحدث عيادي، في هذا الحوار مع وكالة الأنباء الجزائرية، عن المستقبل السياسي للبلاد في ظل تشكيل هيئة للإشراف على حوار يشمل الفرقاء في البلاد.
نص الحوار:
ما رأيك في إلغاء تنظيم الانتخابات التي كانت مقررة يوم 4 يوليو ورأي المجلس الدستوري الذي تلاه؟
إن عدَم إجراء الاقتراع الذي كان مرتقبا في 4 يوليو منَحَ البلدْ فرصة تصحيح المسعى وفتح الطريق أمام حوار وطني من شأنه توفير أحسن الظروف لتنظيم أمثل للاقتراع المُقبل.
أما في ما يخصّ رأي المجلس الدستوري، حتى وإن اعتبر البعض أنه لا يحقُ له الفصل في عُهدة رئيس الدولة وأنه كان من المنتظر منه فقط الإقرار باستحالة تنظيم رئاسيات 4 يوليو 2019، إلاّ أنّ رأيه كان سديدًا، كونه الوحيد المؤهل لتفسير الدستور في نصه وروحه، خاصة حين يتعلّق الأمر بمسائل مرتبطة بديمومة المؤسسات.
لقد أصدَر المجلس الدستوري رأيًا بموجب صلاحياته ووفقًا لنص وروح الدستور ولم يكن للدولة خيارًا آخر سوى اتباع هذا الرأي والبقاء في الإطار الدستوري.
إن أولئك الذين ينتقدون ذلك لا يقدّرون مدى خطورة تجميد الدستور على التوازنات المؤسساتية والسياسية والأمنية. إن دستورنا، مهما كانت محدودِيّته ونقائصه يتضمّن ضوابط تحول دون وقوع البلد في فخ الفراغ الدستوري والمؤسساتي الذي يؤدي إلى غياب الاستقرار ويفتح المجال أمام التدخل والمبادرات الاعتباطية والفوضى.
هل هذا يُعتبر بمثابة رد على دعاة المرحلة الانتقالية أو أولئك الذين يدعون إلى تنصيب مجلس تأسيسي قبل الانتخابات الرئاسية ؟
إن خيار المرحلة الانتقالية يستدعي بالضرورة تجميد عمل المؤسسات الدستورية القائمة واستبدالها بهيئات خاصة فرضَت نفسها بنفسها تعمل خارج أي إطار قانوني أو مؤسساتي.
مثل هذه المقاربة تهدف إلى إرساء نظام استقطاب يفتحُ المجال أمام أشخاص يفتقدون للشرعية ولأدنى قاعدة قانونية من أجل قيادة المرحلة الانتقالية، نظام يعمل دون الاستناد لقواعد محددة وحتمًا خارج أطر قوانين الجمهورية باعتبار أن الدستور سيتم تجميده.
ويتعلقُ الأمر حينئذ بـ"نظام الأمر الواقع"، نظام مُرتجل ومعرّض لتهديدات موازين القوى المتذبذبة التي تفسح المجال أمام الفوضى والمغامرة وكذا كل التدخُلات بشتى أنواعها مع ما تحمله من مخاطر وتهديدات لأمن الدولة في سياق جيوسياسي مضطرب ومحفوف بالمخاطر.
أما خيار المجلس التأسيسي وإن كان يبدو مشروعًا من وجهة نظر المنادين إليه إلاّ أنه يحمل في طياته فكرة التشكيك في المبادئ الأساسية المسيرة للبلاد ومراجعة المسائل المصيرية التي تمَّ الإعداد لها بجد منذ استقلال البلاد بل حتى قبل الاستقلال.
إن الرّغبة في إعادة فتح النقاش حول هذه المسائل في ظرف تطبعه الهشاشة يعني المخاطرة بإضعاف اللحمة الاجتماعية والمساس بوحدة الشّعب وأمن البلد كما أن مباشرة هذا المسار الذي لا نعلم مدته وتداعياته تتطلب أيضا مرحلة انتقالية بما تحمل من سلبيات تمّ ذكرها آنفا والمتعلقة أساسًا بتجميد نشاط المؤسسات واستبدالها بآليات هشة يتمُ استحداثها في عجالة وتفتقر للمصداقية اللازمة.
هذا الخيار سيؤدي بطبيعة الحال إلى استمرار الأزمة في الوقت الذي يطالِب فيه الشعب بمخرج منها والبلد في أمس الحاجة لحل وتكريس الاستقرار.
بالمقابل، سيَحظى رئيس الجمهورية الذي سيتمُ انتخابه بالشرعية اللازمة لمباشرة مراجعة الدستور إذا ما ارتأى ذلك ملائما. لكن القرار الأول والأخير يعود إليه.
ومع هذا ليس هناك من مانع أمام دعاة هذا الخيار لإدراجه ضمن برنامجهم الانتخابي ممّا سيُمكن مواطنينا من تزكيته في حال ارتأوا ذلك مفيدًا.
تبعا لذلك، ما هو توجُه مسعى السلطات العمومية؟
إن تحليل الخيارات والمخاطر التي تنطوي عليها بالنسبة للبلد وكذا التقييم المعمَّق للوضع دفع بالسلطات العمومية إلى اختيار مسعى أكثر أمانًا وعقلانية وفي الاتجاه السليم.
يمُكن تلخيص هذا المسعى كالتالي:
التوجه سريعا إلى انتخابات رئاسية من خلال ضمان ظروف تنظيمية جيدة لها. وتكريس شفافية ونزاهة المسار.
والعمل على الحصول على أكبر قدر ممكن من التوافق حول قيادة هذا المسار وحول شروط اتفاق سياسي بخصوص كيفيات تنظيم الانتخابات، وعدم الزج بقواتنا المسلحة في اعتبارات سياسية وسياسوية.
في الحقيقة، إن الذين طالبوا بإشراك جيشنا في الحوار السياسي يدركون الفخ الذي يُنصَب له في حالة إشراكه.
إن جيشنا الجمهوري والوطني يعرف تمامًا مهامه الدستورية ويتصرف على هذا الأساس لحماية بلدنا من المخاطر المحدقة به.
لماذا اخترتُم تفويض مجموعة شخصيات لقيادة الحوار والتشاور؟
أبرز رئيس الدولة في عديد المرات الضرورة الملحة لإيجاد الحلول التي تمُكن البلد من تجاوز هذه المرحلة الحاسمة في تاريخنا بشكل جماعي وبناء التوافقات الضرورية لتنظيم انتخابات رئاسية تستجيب لشروط الموضوعية والحياد والشفافية.
ولتحقيق هذا الهدف الإستراتيجي يجب توفير شروط وكيفيات تنظيم ومراقبة هذه الانتخابات والإشراف عليها بدءًا بمراحل التحضير والتنظيم إلى غاية إعلان النتائج، وهو ما يتطلب تنظيم حوار وطني شامل حول كل هذه الإجراءات.
حسب رأيكم، متى سيكون تاريخ الاستحقاق الرئاسي المقبل؟ هل تحوزون على معلومات حول هذا الموضوع ؟
يُستحسن أن يكون موعد هذا الاستحقاق الرئاسي في أقرب الآجال الممكنة بسبب العواقب الوخيمة التي قد تنجم عن استمرار الوضع الراهن على سير مؤسساتنا واقتصادنا وواقع العلاقات الدولية إلى جانب صورة بلدنا في أعين شركائنا الأجانب.
وبالتالي، يجبُ ضبط تاريخ الانتخابات الرئاسية في إطار مسار الحوار وتحديده يتوقف بالطبع على أجل سير الحوار والمقتضيات القانونية لعملية اعتماد الإجراءات التشريعية والتنظيمية ورزنامة الانتخابات.
المصدر: وكالة الأنباء الجزائرية