لن تكون مهمة الرئيس التونسي المؤقت، محمد الناصر، مجرد تدبير سهل للمرحلة الانتقالية، ففي أقل من 90 يوما، التي سيتولى فيها الرئاسة خلفا للراحل الباجي قايد السبسي، تنتظره تحديات سياسية ودستورية كثيرة.
وأكبر تحد للرئيس المؤقت هو تنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في 15 سبتمبر دون اللجوء إلى تمديد فترته الانتقالية، والتي ينص الدستور على أن أقصاها ثلاثة أشهر، ما يعني عمليا ضرورة مغادرة محمد الناصر (85 عاما) قصر قرطاج قبل الـ25 من أكتوبر المقبل.
لكن هناك أيضا تحديات سياسية أخرى تنتظر الرئيس المؤقت أبرزها قانون المساواة في الإرث، وقانون الانتخابات الجديد، الذي امتنع الرئيس السابق عن توقيعه، ما وضع البلاد في مأزق دستوري وجدل سياسي لم يتوقف سوى بعد وفاة السبسي.
وسيكون الناصر أمام امتحان سياسي، إذ تريده بعض الأحزاب السياسية أن يوقع على هذا القانون المثير للجدل، خاصة حزب "تحيا تونس" و "حركة النهضة"، في حين قد يؤدي الإقدام على هذه الخطوة إلى استعداء معسكر "نداء تونس" وحزب "قلب تونس" لرجل الأعمال نبيل قروي.
تحدي الانتخابات
وفي هذا الصدد، يؤكد المحلل السياسي التونسي، باسل ترجمان، أن "الرئيس المؤقت لن يخرق الدستور، فقد قالها بصراحة: لن أزيد يوما واحدا بعد الـ 90 يوما"، مضيفا أن "الدورة الأولى للانتخابات ستُجرى مبكرا في أغسطس مما يعني أن الدورة الثانية ستجرى أيضا قبل مغادرة الرئيس المؤقت لمنصبه".
ويستبعد باسل ترجمان أن تؤدّي الطعون الانتخابية إلى إمكانية تجاوز مدة 90 يوما المنصوص عليها في الدستور، قائلا "سيتم فتح باب الترشح للرئاسيات في الثاني من أغسطس، وستكون هناك فترة كافية لانتخاب رئيس جديد في أقل من ثلاثة أشهر".
ويعتبر المحلل التونسي أن منصب رئيس الجمهورية لم يعد مُغرياً للأحزاب السياسية كما في الماضي، "لأن السلطة الفعلية يمتلكها رئيس الحكومة، ولهذا كل الأحزاب السياسية منشغلة بالانتخابات التشريعية المقبلة المقرر إجراؤها في السادس من أكتوبر المقبل".
وبالفعل، فالدستور التونسي يمنح صلاحيات واسعة لرئيس الحكومة، بينما تقتصر صلاحيات رئيس الجمهورية على الشؤون الخارجية والدفاع.
وبخصوص عدم استعداد بعض الأحزاب السياسية للموعد الجديد للرئاسيات، يقول ترجمان إن "الأحزاب التي تفاجأت بالموعد الجديد الذي أقرته الهيئة العليا للانتخابات لم تكن مستعدة للمواعيد القديمة أيضا، فشهر أو شهران لن يحدثا الفارق".
في المقابل، يعتقد الباحث في العلوم السياسية، الأمين البوعزيزي، أنه "لا يوجد أحد اليوم باستطاعته التلاعب بالانتخابات، فسواء تم التمديد للرئيس المؤقت أو ذهبت تونس في اتجاه فراغ دستوري لن يؤثر ذلك على الديمقراطية" في البلد.
ويضيف: "المجتمع يقظ وكذلك الإعلام، ولن يستطع أحد التراجع عن الديمقراطية. إذا وقعت أزمة دستورية سيتم تجاوزها بسهولة وسلاسة، كما حدث في مناسبات سابقة"، مشيرا إلى أن تحدي الانتخابات "لن يضع الرئيس المؤقت في أي مأزق، لأن تونس لديها نخبة قادرة على تجاوز الأزمات والحد من النزوع الشخصي للاستيلاء على الحكم، أو أي سيناريوهات أخرى مماثلة".
قانون الانتخابات الجديد
وبالنسبة لقانون الانتخابات، يقول باسل ترجمان إن الرئيس المؤقت لا يحق له التوقيع على القانون الجديد للانتخابات، الذي رفض الرئيس السابق السبسي التوقيع عليه، مضيفا "في ظل غياب المحكمة الدستورية وفشل مجلس نواب الشعب في انتخابها ستبقى كل الأمور عالقة ومتوفقة إلى حين انتخاب مجلس جديد".
وامتنع السبسي عن التوقيع على القانون الجديد للانتخابات، بمبرر "إقصاء بعض الأطراف من سباق الانتخابات قبل أيام من فتح باب الترشحات".
وينص القانون الجديد على أنه "لا يقبل الترشح للانتخابات التشريعية لكل شخص أو قائمة تبيّن للهيئة (العليا المستقلة للانتخابات) قيامه أو استفادته خلال الـ12 شهرا التي تسبق الانتخابات بأعمال تمنعها الفصول 18 و19 و20 من المرسوم عدد 87 المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية"، أو "تبيّن قيامه أو استفادته من الإشهار السياسي"، ما اعتبره البعض استهدافا لرئيس حزب "قلب تونس" نبيل قروي.
وأثار عدم توقيع السبسي على القانون جدلا واسعا، لأن الدستور ينص على أن الرئيس إما يوقع القانون أو يردّه إلى البرلمان، أو يعرضه على استفتاء شعبي. ولم ينص الدستور على إمكانية الامتناع عن الإمضاء.
ويعتبر ترجمان أن "الرئيس السابق عندما رفض التوقيع خلق أزمة دستورية، لكن الرئيس المؤقت ليست لديه كل صلاحيات رئيس الجمهورية المنتخب للتوقيع على القانون، فهو مثلا لا يستطيع إجراء الاستفتاء أو تعديل الدستور أو حل البرلمان".
ولهذا يشدد على أن "الأمور ستبقى على وضعها الحالي وستُؤجل إلى أن تنتهي الانتخابات، وهو أيضا ما يعني أن الانتخابات الحالية ستُجرى وفق قانون الانتخابات القديم".
ويتفق البوعزيزي مع ترجمان على أن الرئيس المؤقت سيكون غير قادر على تمرير القانون، "لكن ليس لأنه عاجز دستوريا عن القيام بذلك، وإنما لأن هناك حملات ضده تريد أن تقزم كل صلاحياته الدستورية وتختصرها في القائم بأعمال رئيس الجمهورية".
ويضيف: "يريدونه رئيسا ضعيفا حتى لا يستطيع النظر في هذا القانون مثلا، الذي يحمي بعض المشكوك في ذممهم المالية، لهذا لا أعتقد أنه سيُغامر ويوقع على قانون تجاهله السبسي".
معركة المساواة في الإرث
وعلاوة على كل ذلك، يقف الرئيس المؤقت أمام عقبة أخرى وهي تمرير قانون المساواة بين الرجل والمرأة في الإرث، الذي تعتبره التيارات الحداثية مشروعا مهما.
في نوفمبر الماضي، أحالت رئاسة الجمهورية مشروع القانون الخاصة بالمساواة في الإرث إلى البرلمان للنظر فيه، بعد المصادقة عليه في المجلس الوزاري، لكن ظل منذ ذلك الوقت يراوح مكانه.
ويرى باسل ترجمان أن "مجلس نواب الشعب بصيغته الحالية سيكون عاجزا عن السير في اتجاه تمرير هذا القانون، فبعض الكتل السياسية ستحاول ألا يُقدّم القانون أمام المجلس من أجل التصويت عليه".
ويتابع: "بعض الأحزاب تتخوف من تصويت عقابي للمرأة التونسية ضد من يعارض هذا القانون، خاصة وأن نصف الناخبين في الاستحقاقات المقبلة من النساء".
من جهته، يقول الأمين البوعزيزي إن "هذا القانون لن يمر تحت حكم الرئيس المؤقت، لأن أعضاء داخل حزب نداء تونس الحداثي أنفسهم يعارضون هذا القانون"، مضيفا "القانون استُخدم كورقة للتجييش في مراحل سابقة، ولكن لا توجد نية حتى لدى الحداثيين لإقراره".
ويؤكد أن "تجاهل القانون من طرف التيارات الليبرالية في البرلمان يدل على أنه ليس أولوية كما يعتقد البعض"، مشيرا إلى أن "هؤلاء يحاولون تعبئة المرأة والاستقواء بالدولة، لكن كل ذلك أهدافه سياسية وليست مجتمعية. ولا أعتقد بالتالي أن هذا القانون سيمرّ في الوقت الراهن".
المصدر: أصوات مغاربية