لم تختلف نهايات زعماء حزب "جبهة التحرير الوطني" في الجزائر عن بعضها، حيث انتهى أغلب هؤلاء بين منقَلب عليه أو سجين، وقلّة منهم كانت نهايته عادية.
وتعيد قصة الأمين العام الحالي للحزب محمد جميعي وما يحدث له هذه الأيام، الذّاكرةَ إلى مصائر من سبقوه على رأس الحزب الذي حكم البلاد منذ استقلالها.
مهري.. "المؤامرة العلمية"
بعدما قاد الحزب من 1988 إلى 1996، وجد الأمين العام السابق لحزب "جبهة التحرير الوطني"، عبد الحميد مهري، نفسه مُجبرا على تقديم استقالته للجنة المركزية الحزب.
بدأت مشاكل مهري في الحزب بعدما عارض توقيف المسار الانتخابي سنة 1992، في انتخابات فازت بها "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" وشارك فيها حزب "جبهة التحرير الوطني".
تصاعدت الأحداث ضد مهري سنة 1995 عندما اتفقت المعارضة الجزائرية على تنظيم لقاء في روما عرف بـ"لقاء سانت إيجيديو"، لبحث الأوضاع في البلد وإيجاد مخرج سياسي لما يحدث، وشارك مهري في اللقاء، وهو موقف أغضب السلطة.
وفي 1996، أي بعد أقل من سنة على مشاركته في "سانت إيجيديو"، سحبت منه اللجنة المركزية الثقة، وبعد سنتين أزيح تماما من كل هياكل الحزب، وتُعرف هذه القضية إعلاميا بـ"المؤامرة العلمية".
بوعلام بن حمودة.. "استقالة مدروسة"
في سنة 2001، قدم بوعلام بن حمودة استقالته من قيادة الحزب الحاكم خلال اجتماع المكتب السياسي، بعدما قاد الحزب منذ 1996.
وجاءت استقالة بن حمودة مباشرة بعدما أبدى تحفظات على معالجة عدد من القضايا السياسية (تعديل الدستور والتعليم والقضاء)، التي أعلنها الرئيس المنتخب حديثا عبد العزيز بوتفليقة.
ونقلت الصحافة المحلية، وقتها، أن قيادة الحزب كانت تنوي سحب الثقة من بن حمودة لكنّها "تفادت" ذلك حتى لا تتكرّر قصة "المؤامرة العلمية"، التي حدثت مع سلفه عبد الحميد مهري، وبالتالي تم "دفع" بن حمودة إلى تقديم استقالته بطريقة هادئة.
بن فليس.. تحدٍّ فخسارة ثم استقالة
في أبريل 2004، استقال الأمين العام السابق لـ"جبهة التحرير الوطني"، علي بن فليس، من قيادة الحزب، بعد صراع مع الرئيس بوتفليقة سبق رئاسيات 2004.
وقدّم بن فليس استقالته خلال اجتماع طارئ للجنة المركزية للحزب، مباشرة بعد خسارته الانتخابات الرئاسية، التي واجه فيها الرئيس بوتفليقة.
وعاش الحزب أزمة داخلية منذ مارس 2003 بعد تجديد الثقة في بن فليس، ودعمه مناضلون للترشّح للرئاسيات باسم الحزب ضد الرئيس بوتفليقة، وهو ما رفضه أنصار بوتفليقة واعتبروه "تحدّيا" له.
ووصف بن فليس بأنه رجل ثقة بوتفليقة لمدة قاربت أربع سنوات، فكان مدير حملته الانتخابية في 1999 ثم مدير ديوانه ورئيسا للحكومة قبل إقالته في ماي 2003.
بلخادم.. سحب الثقة
في فبراير 2013، خسر مستشار بوتفليقة ووزير الدولة السابق، عبد العزيز بلخادم، منصبه على رأس الحزب الحاكم، الذي انتُخب أمينا عاما له منذ سنة 2004.
وسحب 160 عضوا من اللجنة المركزية في الحزب الثقة من بلخادم مقابل 156 مؤيّدا، أي بفارق أربعة أصوات.
وسحبت اللجنة المركزية، وهي أعلى هيئة في الحزب، الثقة من بلخادم بعد استفحال أزمة داخلية أدّت إلى تقسيم الحزب بين من يسمون "تصحيحيين"، وهم المعارضون لبلخادم، وبين الموالين له.
لم تتوقف قضية بلخادم عند إزاحته من قيادة الحزب، ففي أغسطس 2014 أنهت برقية نشرتها وكالة الأنباء الرسمية مهامّ عبد العزيز بلخادم الرسمية في الدولة وعضويته في الحزب أيضا.
وجاء في نص البرقية "أصدر رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، صباح الثلاثاء، مرسوما يقضي بإنهاء مهام عبد العزيز بلخادم بصفته وزيرا للدولة مستشارا خاصا برئاسة الجمهورية وكذا جميع نشاطاته ذات الصلة مع كافة هياكل الدولة".
وأضافت أنّ "اتّصالات تمت مع الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة لإنهاء مهام عبد العزيز بلخادم ضمن الحزب ومنع مشاركته في نشاطات كل هياكله".
سعداني.. "الاستقالة الصحية"
في أكتوبر 2016، أعلن عمار سعداني استقالته من منصبه على رأس الأمانة العامة لحزب جبهة التحرير الوطني، خلال الدورة الثالثة للجنة المركزية للحزب، وقال سعداني في فيديو بثه التلفزيون الرسمي إن "أسبابا صحية" دفعته إلى الاستقالة.
وتولى سعداني مهمة قيادة الحزب الحاكم بعد انتخابه خلال دورة اللجنة المركزية للحزب في أغسطس 2013، وهي انتخابات واجه فيها رئيس الحكومة السابق عبد العزيز بلخادم.
ولد عباس.. إلى سجن الحراش
تولى جمال ولد عباس قيادة الحزب بعد رحيل سعداني، وتميزت فترة ولايته بالدفاع عن صحة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة والترويج لقدرته على الترشح لعهدة خامسة.
في شهر نوفمبر من السنة الماضية، وبشكل مفاجئ، استقال جمال ولد عباس "لأسباب صحية تستلزم عليه قضاء عطلة مرضية مطولة"، حسب برقية لوكالة الأنباء الرسمية عن مصدر رسمي.
لكن قياديين في الحزب قالوا إن الاستقالة جاءت عقب "القرارات الانفرادية التي دأب الأمين العام على اتخاذها دون العودة للمكتب السياسي، أو قيادة الحزب".
بعد انطلاق "الحراك الشعبي" في 22 فبراير وبداية الحملة ضد الفساد طالت العدالة جمال ولد عباس، وبعدما تنازل عن حصانته البرلمانية توبع بتهم "تبديد المال العام وإبرام صفقة مخالفة للتشريع وإساءة استغلال الوظيفة والتزوير في محررات قضائية بصفته وزيرا أسبق للتضامن الوطني".
وشمل التحقيق مع ولد عباس، أيضا، ملف أموال خصصتها الدولة لقطاع التضامن، خاصة ما تعلق بشراء بعض الحافلات لصالح التلاميذ القاطنين في المناطق النائية، وبعد التحقيق معه أودع ولد عباس الحبس المؤقت بسجن الحراش في العاصمة.
بوشارب.. ضربة الحراك
خلف معاذ بوشارب جمال ولد عباس على رأس الحزب الحاكم، بصفته منسّقا عاما، في وقت كان الحزب يستعد لإعلان ترشيحه بوتفليقة لعهدة خامسة.
تولّى بوشارب إعلان الترشيح في حفل كبير بالعاصمة في التاسع فبراير الماضي لانتخابات 18 أبريل، لكن الأمين العام الشاب لم يكن يعلم أن حراك شعبيا سينطلق في 22 فبراير ليطيح برأس بوتفليقة.
طالب الحراك برحيل بوشارب بصفته رئيسا للمجلس الشعبي الوطني (البرلمان) وكونه من بقايا "العصابة"، لكن الأخير رفض الرحيل وظل متمسّكا بمنصبه، رغم الضغط الذي مارسته قيادة الحزب أيضا من أجل رحيله.
في منتصف شهر مايو وبعد ضغوط متواصلة خضع بوشارب وانسحب من الحزب باستقالة، وفي نهاية يونيو سحب برلمانيون الثقة من بوشارب لكنه رفض الرحيل ليرغم في الأخير على الاستقالة من رئاسة البرلمان.
- المصدر: أصوات مغاربية