تزوجت داعشيا في ليبيا.. كوثر من الجزائر: أختي هي السبب!
اسمي: كوثر خ.
جنسيتي: جزائرية
من مواليد: أكتوبر 1992
المؤهل العلمي: شهادة الثانوية
المهنة: ربة بيت
الحالة الاجتماعية: متزوجة
جئت إلى ليبيا ظنا مني أنني أسير في الطريق الصحيح حين انضممت إلى تنظيم داعش، لكن تبيّن أن الأمر خلاف ذلك، فالقتل والذبح والتشدد والغلو في الفكر هي سمات تنظيم سيطر على مدينة سرت الليبية وأحلّ بها الخراب والدمار.
زواج ملغوم
ترعرعتُ في ولاية عنابة في الجزائر، ببلدية سيدي عمار، مع والدي "م"، الذي كان يعمل بمصنع الحديد والصلب، وهو الآن متقاعد، وقد سجن سابقا لمدة سنتين بسبب انتمائه لتيار متشدد.
والدتي "ح. ب" كانت تعمل مُدرسة، وأخي أسامة وأخي الآخر عبد اللطيف يعملان بالجيش الجزائري.
أكملتُ مرحلة الثانوية وتركت دراستي في الجامعة وصرت أقرأ أحيانا روايات وكتبا دينية عبر الإنترنت. كنت أشعر بالوحدة، لأن الدراسة كانت تملأ أوقات فراغي فقررت حينها الانضمام إلى مركز لتحفيظ القرآن، لكنني توقفت بعد شهرين من التعليم واخترت المكوث في المنزل.
بعد مرور أشهر، تقدم لي شخص يدعى "ع. ع. ك"، كان يبلغ من العمر وقتها 28 سنة. كان قد تخرج من جامعة بولاية مرداس، ويعمل في شركة للأسمدة، وبعد استشارة أهلي قررت الموافقة على الزواج به في شهر سبتمبر 2015.
كنت أعيش حياة طبيعية مع زوجي، وفي الأشهر الأولى اكتشفت أنني حامل. في تلك الفترة وخلال زياراتي لأهلي بين الحين والآخر، كانت شقيقتي "س."، التي تحب الرسم، تحكي لي عن تنظيم داعش. لم أكن مقتنعة بأفعالهم وأفكارهم، لكن مع الوقت صارت أفكار داعش تخترق عقلي، خاصة أن شقيقتي الأخرى "م." مقتنعة بفكر التنظيم وكانت تعمل طبيبة باطنية.
شقيقتي وتوأم روحي "س." كانت على علاقة سرية مع شخص مصري ينتمي إلى تنظيم داعش يدعى "م."، وهو مقيم في سرت وكان يريد الزواج بها. ومع مرور الأيام قررت أختي "س." إخبار والدي بهذه العلاقة، وذات يوم اجتمعنا في منزل أهلي واتصل والدي بـ"م." عبر "سكايب" وانتهى الأمر بالزواج.
"م." طلب من "س." المجيء إلى ليبيا كي يتزوجها، لأنه لا يستطيع القدوم إلى الجزائر عبر الطرق العادية، لأنه متابع بالهروب من "الخدمة الوطنية" في مصر وكانت "س." تقنعنا بالذهاب إلى سرت.
أخبرت زوجي أنني لا أريد ترك "س."، فوافق على الذهاب لسرت، وكذلك شقيقتي الأخرى "م." وزوجها "أ.ع"، كلهم وافقوا على السفر معنا وقررنا أن نرحل سويا إلى سرت في نهاية مارس 2016 دون إخبار والدي ووالدتي وإخوتي، بل قلنا لهم إننا ذاهبون في رحلة سياحية إلى العاصمة الجزائر.
السفر نحو المجهول
في 17 من أبريل عام 2016، سافرت أنا وزوجي "ع." وشقيقتي "م." وزوجها "أ." وشقيقتي "س." من مطار عنابة إلى مطار الجزائر العاصمة.
بقينا هناك ليلة واحدة داخل فندق، وفي اليوم التالي سافرنا من الجزائر العاصمة إلى مطار تمنراست، ووصلنا هناك ليلا حيث استلَمنا مُهرب يدعى "م." يرجع أصله إلى الطوارق وأوصلنا إلى بيت مهجور في منطقة تمنراست الجزائرية.
انطلقنا في اليوم التالي في سيارة "م.ت."، وبعد المسير نحو يوم عبر طريق صحراوي وصلنا إلى منطقة "جانيت" الحدودية ومكثنا ليلة في منزل قديم، وفي اليوم التالي جاءنا سائق يعرفه "م." ونقلنا في سيارة واحدة عبر طريق صحراوي يستخدمه المهربون. كانت تلك الطريقة الوحيدة للوصول إلى داخل الأراضي الليبية.
عند قرب وصولنا إلى مدينة "غات" الليبية، طلبنا من السائق إرجاعنا إلى الحدود الليبية-الجزائرية حينما علمنا أنه ينتمي إلى أجهزة الأمن الليبية، وقد أظهر لنا وثائقه بعدما شككنا فيه، وانتهى الأمر برجوعنا من جديد إلى "جانيت" الجزائرية. كنا مرهقين بسبب التعب، وفي اليوم التالي اتصلت شقيقتي "س." بـ"م." في سرت وأعطاها اسم من سيستلمها في الحدود الليبية-الجزائرية.
انطلقنا، من جديد، في اليوم التالي، رفقة "م.ت." إلى الأراضي الليبية، ولكن هذه المرة، قبل وصولنا إلى الحدود الجزائرية، أوقفنا الدرك الوطني الجزائري ونزل "م.ت." للحديث مع عناصر الدرك. شاهدنا أنه يمازحهم. بقينا قليلا ثم رجع وأكملنا طريقنا إلى ليبيا.
استلمنا في مدينة "غات" شخص لا أعرف اسمه أعطى لـ"م.ت." ثمن توصيلنا من "جانيت" إلى "غات". بقينا هناك ليلة واحدة ثم نقلونا إلى منطقة قرب "غات" لا أتذكر اسمها. بقينا فيها أسبوعا تقريبا، وبعدها جاءنا شخص يدعى "ع."، ينتمي إلى تنظيم داعش، وأقلنا في سيارة دفع رباعي في طرق صحراوية حتى التقينا بسيارة أخرى تحمل ثلاث نساء بينهن كينية، وشخص نيجيري، وثلاثة أطفال.
ركبنا في سيارة نقل واحدة وسلك بنا "ع." طرقا صحراوية، وكان يحمل هاتف الثريا ويتواصل مع شخص آخر يدعى "أبو النور التونسي"، وبعد مسير نصف يوم تقريبا توقف بنا نحو ثلاث ساعات حتى جاءنا أبو النور، أحد قيادي تنظيم داعش، ومعه سيارات مدججة بالسلاح وأوصلنا إلى سرت في بضع ساعات.
من القصور الفخمة إلى الموت
وصلنا إلى سرت في بداية شهر ماي، وأقمنا بداية في قصور فخمة، يأتينا الطعام بشكل مستمر، وبعد أيام التقينا بـ"م"، زوج أختي المصري، ويكنى أبو يوسف المصري، وهو من مدينة الإسكندرية، ومن مواليد 1989، والذي نقل شقيقتي "س." إلى بيته في عمارات "600"، ونحن انتقلنا إلى مكان يطلق عليه "مضافات النساء".
أما زوجي فانتقل مباشرة إلى معسكر تدريب ثم انتقل لجبهة القتال، حيث بدأت الاشتباكات مع قوات عملية "البنيان المرصوص".
حاولت الخروج من سرت مرارا مع زوجي "ع."، الذي اختار كنية "أبو البراء"، لكن باءت محاولاتي بالفشل، وأكثر ما أزعجني عدم الالتقاء بزوجي مطلقا، إلا في المستشفى بعد بتر يده اليسرى نتيجة الاشتباكات مع قوات عملية "البنيان المرصوص"، وكذلك إصابة زوج شقيقتي "س." المصري.
في مضافة النساء، كنت أتمنى رؤية زوجي. كنت قلقة عليه، لكن أحكام تنظيم داعش ترفض التقاء الزوج بزوجته في مضافة النساء، خاصة أن الاشتباكات كانت مستمرة. وبعد شهر من إصابة زوجي أحضروه إليّ وأقمت معه في منزل في "حي رقم 1".
عند تقدم قوات "البنيان المرصوص"، خرجنا من الحي رقم 1 وتوجهنا إلى مضافة النساء، بينما نُقل زوجي إلى مضافة المصابين، وعلمنا يومها بمقتل "أ.ع."، زوج شقيقتي "م." في الاشتباكات.
أرادت شقيقتي رؤية زوجها وهو على فراش الموت، فطلبنا من قيادي ليبي يدعى "بريك" الذهاب لمضافة الجرحى كي نرى "أ."، وعند وصولنا أدخلونا إلى غرفة تعلو منها أصوات جرحى داعش ووجدنا "أ." بكامل ملامحه، وانهمرت بالبكاء مع شقيقتي "م."، لكن أحد جرحى داعش طلب منا عدم البكاء بدعوى أن أصواتنا عورة، وأخرجونا من المضافة.
الفقدان
عندما اقتربت الاشتباكات من حي رقم 1، نقلنا إلى "الجيزة البحرية"، آخر معاقل التنظيم. وفي بداية شهر أكتوبر، علمت بمقتل "م" المصري، زوج شقيقتي "س." في الاشتباكات، وكانت آخر مرة أشاهد فيها زوجي للحظات في منتصف أكتوبر وأخبرني وقتها أن هذا اليوم يصادف ذكرى زواجنا، إذ مضى عليه عام كامل، ومنذ ذلك الوقت لا أعلم عنه شيئا.
بعد حوالي أسبوعين أنجبت طفلي وسميته "م."، وحاولنا الخروج مع طفلي وشقيقتي "م." وشقيقتي الأخرى "س." من خطوط الاشتباكات، خاصة أننا نسمع، بشكل مستمر، قوات "البنيان المرصوص" ينادون علينا في مكبرات الصوت ويعطوننا الأمان. ومع اقترابنا منهم كانت هناك تونسيتان تتقدمان النساء في خط المواجهة، وقامت إحداهن بتفجير نفسها مع ابنها. حدثت اشتباكات، فرجعنا من جديد.
انتقلنا إلى جهة أخرى مقابلة، وبعد أيام مات ابني بسبب الجوع، وعلمنا أن هناك نساء وأطفالا يخرجون من هذه الجهة. توجهنا إلى هناك، وفي خط المواجهة قدم إلينا مجموعة من قوات "البنيان المرصوص" لإنقاذنا، وكنت أحمل ابني "م." ميتا بين أحضاني.
على بعد بضع كيلومترات من الحياة، أفشلت أم عمر المصرية العملية عندما قامت برماية عناصر "قوات البنيان"، واضطروا إلى الرد على مصدر إطلاق النار، وكنا واقفين بجانبها فأصبت أنا وقتلت شقيقتاي "م." و"س."، وتم إسعافي سريعا إلى المستشفى الميداني ثم نقلت إلى مستشفى مصراتة.
يقارب عمري 25 سنة. فقدت توأمي وشقيقتي الأخرى وزوجي وابني ونصف عائلتي بسبب تنظيم داعش، وما يؤلمني أنني صرت أمشي على كرسي متحرك. بعد هذه الحرب أنا نادمة. لا أنصح النساء بالانضمام إلى داعش، وأقصى ما أحلم به الآن هو الرجوع إلى أسرتي.
تحقيق خاص لـ"أصوات مغاربية"