يعود موضوع تقنين الإجهاض بقوة إلى واجهة النقاشات في المغرب، وذلك على خلفية قضية متابعة صحافية وخطيبها وطبيب ومساعده بتهم من بينها "الإجهاض".
فقبل أزيد من ثلاث سنوات، صادقت الحكومة المغربية على مشروع قانون يتعلق بالإجهاض مازال موضوع دراسة في البرلمان، والذي يسمح بالإيقاف الآمن للحمل في حالات محددة.
رئيس الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري، شفيق الشرايبي، يشدد على ضرورة التعجيل بإخراج قانون يسمح بالإيقاف الآمن للحمل، مؤكدا في الوقت نفسه ضرورة توسيع دائرة الحالات المسموح فيها بذلك، لمواجهة مختلف عواقب الحمل غير المرغوب فيه.
إليكم نص المقابلة:
يتابع الرأي العام في المغرب وخارجه منذ فترة قضية متابعة صحافية وخطيبها وطبيب ومساعده بتهم من بينها "الإجهاض"، كأطباء كيف تتابعون هذا الملف؟
أنا لن أتحدث باسم الأطباء سأتحدث باسمي الشخصي، خصوصا أنني أرى أن الأطباء مع الأسف لم يتحركوا في هذه القضية، في الوقت الذي تحرك الصحافيون والمجتمع المدني بمختلف أطيافه.
في رأيي الشخصي هذه قضية مؤسفة ومؤسفة جدا، وما كانت لتكون لو كان الإجهاض مسموحا به في المغرب.
المرأة التي تحمل حملا غير مرغوب فيه ستلجأ إلى الإجهاض سواء عن طريق الأطباء، إن كانت تتوفر لديها الإمكانيات لذلك، أو عن طريق الوسائل التقليدية، مع العلم أن الإجهاض عموما يبقى غير آمن ما دام غير قانوني.
ما نلاحظه أنه في السنوات الأخيرة صار هناك تشدد كبير في هذا الموضوع، وهناك تقرير يفيد بأن أكثر من سبعين شخصا توبعوا خلال السنة الماضية من أجل الإجهاض.
النتيجة، هي أن كثيرا من الأطباء لم يعودوا يجرون عمليات إجهاض رغم أنها قانونية، وبالتالي فإن عددا أكبر من النساء صرن يلجأن إلى الطرق التقليدية للإجهاض، والتي تشكل خطورة كبيرة قد تؤدي بهن إلى الوفاة.
إلى جانب ما سلف، يجب التنبيه أيضا إلى العديد من العواقب الأخرى للحمل غير المرغوب فيه في ظل عدم تقنين الإجهاض، كالانتحار وجرائم الشرف، والأطفال المتخلى عنهم.
مرت أزيد من ثلاث سنوات على مصادقة الحكومة على مشروع قانون يتعلق بالإجهاض، ما هو في رأيك السبب في عدم خروج هذا القانون إلى اليوم؟
في سنة 2016 صادق مجلس الحكومة على مشروع القانون الذي يسمح بالإجهاض في حالات حددها في الاغتصاب وزنا المحارم والتشوهات الخلقية للجنين وحين تكون الأم مصابة بخلل عقلي وحين تكون صحة أو حياة الأم في خطر.
منذ ذلك الوقت ساد الصمت التام حول الموضوع، ولذلك تساءلنا كثيرا عبر وسائل الإعلام عن مصير مشروع القانون المذكور، كما راسلت السيد رئيس الحكومة، إلى جانب قيامنا بوقفة سلمية أمام البرلمان للمطالبة بالتعجيل بإخراج هذا القانون.
أخيرا علمنا بأن هذا المشروع يُدرس في لجنة العدل والتشريع بالبرلمان، وأنه تم إدماجه ضمن تعديل شامل للقانون الجنائي المغربي وهو ما أدى إلى تأخره.
نحن كنا نتمنى لو أُعطيت الأولوية لهذا المشروع بالنظر إلى الطابع الاستعجالي للموضوع، ذلك أنه في كل يوم يسقط العديد من الضحايا نتيجة للحمل غير المرغوب فيه.
في حال تمت المصادقة على مشروع القانون المذكور، فإنه سيسمح بالإجهاض ولكن في حالات محددة سبق أن أشرتم إليها، والتي أكدتم مرارا أنها غير كافية، هل هذا يعني أن المشكل سيبقى مطروحا حتى في حال إخراج القانون بذلك الشكل؟
نعم المشكل سيبقى مطروحا، لأن الحالات التي يتحدث مشروع القانون عن السماح فيها بالإيقاف الآمن للحمل لا تمثل سوى 10% أو 15% من مجموع حالات الحمل غير المرغوب فيه.
فما العمل مثلا في حالة الأم والجدة التي تحمل بعد بلوغها سنا اعتقدت أنها لم تعد قادرة على الإنجاب فيه؟ ما العمل مع سيدة تقع في الحمل دون أن ترغب في ذلك لأن لديها أربعة أو خمسة أطفال وتعاني ظروفا اجتماعية صعبة؟ ما العمل أيضا في حالات السيدات اللائي يعانين وضعية التشرد، والطفلات القاصرات؟
هناك حالات أخرى كثيرة ستظل تطرح إشكالا كبيرا حتى لو خرج مشروع القانون بذلك الشكل، ولذلك أنا أقول إن الحل والوحيد في هذا الموضوع هو الأخذ فقط بالاعتبار الصحي، بغض النظر عن أي اعتبار آخر.
الفصل 453 من القانون الجنائي الذي يتطرق إلى الإيقاف الآمن للحمل، يقول إنه مسموح به إذا كانت حياة أو صحة الأم في خطر.
هذا سيدفعنا للتساؤل حول المقصود بمفهوم الصحة؟ و أنا أقول هنا إنه يجب الأخذ بمفهوم الصحة حسب تعريف المنظمة العالمية للصحة، والذي يشمل الصحة البدنية والعقلية والاجتماعية.
يجب اعتماد هذا المفهوم والقول "إذا كانت الصحة البدنية أو العقلية أو الاجتماعية مهددة فيمكن أن يُسمح بالإيقاف الآمن للحمل".
ألا ترون أنه بموازاة معالجة النتيجة التي هي الإجهاض يجب معالجة السبب المتمثل في الحمل غير المرغوب فيه، بمعنى التحسيس بطرق عدم السقوط في ذلك الحمل وبالتالي الاضطرار لإيقافه؟
نعم بالطبع، نحن جمعية لا تناضل من أجل الإجهاض ولكن تناضل من أجل صحة المرأة، ولذلك نحن نقوم في كل سنة بحملة تحسيسية للوقاية من الحمل غير المرغوب فيه، حيث نتطرق إلى التربية الجنسية وإلى وسائل منع الحمل بما فيها وسيلة غير معروفة كثيرا في المغرب، هي الحبة الاستعجالية.
إذا الحمل غير مرغوب فيه فالأفضل عدم الوقوع فيه من الأصل حتى لا يكون الحل الأخير هو إيقافه وحتى لا نواجه العواقب الكثيرة الناتجة عنه في حال عدم إيقافه بطريقة آمنة.
رغم ذلك، ستكون هناك حالات حمل غير مرغوب فيه، إذ أن هناك نساء يحملن بالرغم من اتخاذهن كل التدابير اللازمة لمنعه، ولهذا من الضروري تقنين الإجهاض، وشخصيا لا أفهم لماذا القانون متشدد في هذا الإطار، لا أفهم كيف أننا في سنة 2019 وما زلنا نعمل بقانون يوافق القرون الوسطى.
- المصدر: أصوات مغاربية