بادرت السلطة الجزائرية إلى اتخاذ إجراءات جديدة من أجل مواجهة الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد هذه الأيام.
وعلى عكس خطابات التطمين التي تظهر في تصريحات مسؤولين رسميين، فإن تقديرات بعض الهيئات والمنظمات الدولية وحتى وسائل إعلام أجنبية تذهب في اتجاه آخر، وتؤكد أن "أزمة اقتصادية معقدة وشيكة الوقوع"، وقد "ترغم البلاد على العودة مجددا إلى الاستدانة من الخارج".
وأعلنت الحكومة من خلال مشروع قانو ن المالية لسنة 2020 عن خطوات جديدة تهدف إلى التخفيف من الأعباء المتنامية على خزينة الدولة، من بينها إسقاط العمل بالقاعدة 49/51، وأيضا إقرار بعض الزيادات الضريبية.
وأكد مركز كارنيجي للشرق الأوسط، في دراسة حديثة نشرها مؤخرا، أن أزمة اقتصادية جديدة بدأت ترتسم في المشهد الجزائري على خلفية الأزمة السياسية التي تشهدها منذ فبراير الماضي.
وذكرت الدراسة ببعض الإجراءات الاستعجالية التي أقرتها الحكومة في وقت سابق من أجل الانعتاق من هذه الوضعية، لكن عادت لتؤكد بأنها "لم تحقق أهدافها"، خاصة مع التراجع الرهيب في احتياطي الصرف على خلفية تراجع أسعار النفط.
ويبني مركز كارنيجي تشخصيه على توقعات قدمها صندوق النقد الذي يتوقع حدوث تراجع كبير في احتياطي الصرف الجزائري قد يصل إلى حدود 47.8 مليار دولار أواخر سنة 2020، علما أن بنك الجزائر أعلن في وقت سابق أن الاحتياطي بلغ 79.88 مليار دولار في نهاية 2018.
العودة إلى الاستدانة
في هذا الصدد، اعتبر الأستاذ الجامعي والمحلل الاقتصادي، عبد القادر بن خبيزات، أن "ما تعيشه الجزائر اليوم كان أمرا متوقعا منذ البداية، خاصة وأن الحكومات السابقة رفضت الأخذ بجميع التحذيرات التي أطلقها خبراء".

ولفت المتحدث في تصريح لـ"أصوات مغاربية" إلى أن "الجزائر ستكون مجبره على العودة إلى التفاوض مع صندوق الدولي، في الأيام القليلة القادمة، من أجل إبرام عقود استدانة جديدة، خاصة في ظل العجز الذي ضرب الموازنة المالية للدولة".
وتوقع المصدر ذاته أن "تتضاعف الأزمة المالية بالجزائر خلال الأشهر القادمة مع استمرار أزمة النفط وتراجع المنتوج المحلي الخام بفعل تواصل الحراك الشعبي، وأيضا على خلفية نفور أغلب المستثمرين الأجانب".
ويعتقد بن خبيزات أن الحكومة الجزائرية حتى لو تمكنت من إقناع الهيئات الدولية بإقراضها، فإنها ستتفاوض معها من موقع ضعف "بالنظر إلى المرحلة السياسية الحساسة التي تمر بها".
وأضاف بأن "أكبر مشكل تواجهه الجزائر في الظرف الراهن هو فشلها في تنظيم انتخابات رئاسية، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر بشكل مباشر على محيطها الاقتصادي داخليا وخارجيا".
وأشار في هذا الصدد إلى أن "عددا من المؤسسات الدولية التي تنشط في المحروقات تبدي ترددا كبيرا في إبرام صفقاتها مع مؤسسة سوناطراك للسبب نفسه".
السياسة والاقتصاد
من جهة أخرى، قال المستشار السابق برئاسة الجمهورية والخبير الاقتصادي إن "توقعات البنك الدولي أو باقي المنظمات الأخرى قريبة جدا من الواقع الجزائري في الظرف الراهن".
وأضاف في تصريح لـ "أصوات مغاربية"، بأن "الاستدانة من الخارج لا تكفي وحدها كون الجزائر لجأت إلى هذه الوسيلة منتصف التسعينات دون أن تحقق أي تغير في واقعها الاقتصادي والاجتماعي".
وأكد على أن "الجزائر الآن تواجه أزمتين معقدتين لا يمكن الفصل بينهما، الأولى سياسية والثانية اقتصادية، وهي وضعية تتطلب حذرا شديدا حتى لا نصل إلى الهاوية".
ويرى المصدر ذاته أن "الأولوية الآن يجب أن تمنح للشق السياسي لأن كل الاجتهادات والمخططات الاقتصادية التي يمكن اتخاذها مستقبلا للخروج من هذه الوضعية، يجب أن تحظى بالشرعية السياسية خاصة لدى المنظمات والمؤسسات المالية الدولية".
وأشار سراي إلى "أن المرحلة الحالية تفرض على الجميع ضرورة انتقاء نخبة سياسية تستطيع إحداث قطيعة كلية مع النظام السابق وكل الممارسات الفاسدة والبيروقراطية التي عفنت الوضع الاقتصادي والمالي في الجزائر".
وحسب المستشار السابق برئاسة الجمهورية، فإن المرحلة الحالية تفرض على السلطة التي ستنتجها الانتخابات القادمة ضرورة مراجعة جملة من المسائل الأولية.
"يأتي على رأسها اختيار حكومة كفاءات ومهارات تعمل وفق مقاييس دولية، مع ضرورة الخروج من التبعية للمحروقات والاعتماد على القطاعات البديلة مثل الصناعات التحويلية، السياحة وأيضا الفلاحة"، يقول المتحدث.
ويوضح سراي "أن توقيف العمل بالقاعدة 49/51 هو اختيار جيد يعطي رسالة قوية لكل المستثمرين الأجانب الذين كانوا يتجنبون المجيء إلى الجزائر على خلفية هذا الإجراء".
- المصدر: أصوات مغاربية