أبدت أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر عدم رغبتها في المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، باستثناء حركة البناء الوطني التي قررت ترشيح رئيسها الحالي، الوزير الأسبق عبد القادر بن قرينة.
وبررت الأحزاب الإسلامية الممتنعة عن دخول غمار المنافسة في هذه الاستحقاقات بغياب جملة من الشروط التي ترى فيها أكثر من ضرورية لإضفاء شرطي النزاهة والشرعية، أما حركة البناء الوطني فقد ربطت موقفها الإيجابي من رئاسيات ديسمبر المقبل بـ "غياب مرشح للمؤسسة العسكرية"، ما يؤكد حسبها صدق التزام النظام الحالي بالحياد.
وسبق للتيار الإسلامي في الجزائر، ممثلا في أحزاب وشخصيات، أن شارك في أغلب المواعيد الانتخابية التي نظمت منذ عهد الانفتاح السياسي بداية من التسعينات، وتمكن من حصد العديد من النتائج الإيجابية.
وشارك ممثلو التيار الإسلامي في العديد من الانتخابات الرئاسية بالجزائر، سنوات 1995، و1999، و2004، و2009، لكن أهم إنجاز، يحسب لهم، يعود إلى الراحل محفوظ نحناح، الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم، الذي انتزع المرتبة الثانية في رئاسيات 1995، وتمكن من منافسة "مرشح السلطة" آنذاك ليامين زروال.
وترى عدة أطراف أن تغيرات كبيرة قد طرأت على موقف الأحزاب الإسلامية في الجزائر، بدليل أن بعضها أبدى استعدادا كبيرا للمشاركة في الرئاسيات التي كانت مقررة في شهر أبريل 2019، قبل أن يتم توقيفها، كما هو شأن رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري.
تخوف ونفور
وقال أستاذ العلوم السياسة بجامعة الجزائر، إدريس عطية، إن "الموقف الجديد للأحزاب السياسية من الانتخابات الرئاسية يعود بالدرجة الأولى إلى تخوفها من الشعب وافتقارها لمترشح يملك القوة في إقناع الناخبين".
وأضاف في تصريح لـ "أصوات مغاربية"، أن "المشكل لا يعاني منه الإسلاميون لوحدهم بل إن الأمر ينطبق على كل الأحزاب السياسية بالجزائر في ظل الرفض الكبير والتحفظ الذي يبديه الفاعلون في الحراك الشعبي منها".
وأفاد المصدر ذاته أن "غالبية الشعب الجزائري أضحى مدركا تماما ضعف أداء الأحزاب السياسية وعجزها في تغيير الواقع السياسي بالبلاد، بدليل أن الشعب وحده من أوقف العهدة الخامسة للرئيس السابق".
واعتبر عطية أن "الخوف الذي يبديه غالبية الشعب الجزائري من التيار الإسلامي يجد تفسيره في الفشل الذريع الذي منيت به الأحزاب المحسوبة على هذا التيار في بلدان عربية أخرى مثل مصر، تونس، ليبيا".
"الأحزاب الإسلامية صارت مرادفا للفشل وأيضا لعدم الاستقرار في مخيلة العديد من الجزائريين، وهي الحقيقة التي يدركها قادة هذه الأحزاب بشكل جعلها تعيد حساباتها من الانتخابات الرئاسية في البلاد"، يستطرد المتحدث.
مقابل ذلك، يؤكد الأستاذ الجامعي أن "الخطاب الذي تعتمده أغلب الأحزاب السياسية مصاب بقصور حقيقي في قراءة الواقع السياسي بدليل أنها عجزت عن تغيير قناعات شريحة واسعة من الشعب حول أطروحاتها ونظرتها لتسيير شؤون وهياكل الدولة".
تريث وانتظار
في المقابل، يشير البرلماني السابق والقيادي في حركة مجتمع السلم عبد الرحمن سعيدي إلى أن "موقف التيار الإسلامي بالجزائر حيال الاستحقاقات الرئاسية القادمة مرتبط أساسا بخطة سياسية أملتها الظروف التي تعيشها البلاد".
ويقول المتحدث في تصريح لـ "أصوات مغاربية"، إن "الحراك الشعبي بالجزائر رفع سقف المطالب عاليا وهو يريد تغييرا شاملا، كما يصر على رؤية وجوه جديدة، وهي جميعها مطالب تفرض على جميع الأحزاب التريث وأيضا مجاراة ما يقع في المشهد السياسي".
ويرى المصدر ذاته أن "جل الأحزاب السياسية بالبلاد، وليس المحسوبة منها على التيار الإسلامي، تمر بمرحلة ضعف حقيقية بسبب سياسة التصحر التي فرضها نظام الرئيس المستقيل على الساحة السياسية".
وأفاد سعيدي بأن من "الثوابت السياسية التي تبقى قائمة في المشهد السياسي الجزائري هو رفض الحراك الشعبي أي ممثل يتحدث عنه أو يتحدث باسمه، وهي رسالة تكون الأحزاب الإسلامية قد فهمت مغزاها بشكل جيد".
وأضاف القيادي في حركة مجتمع السلم أن "مقاطعة الإسلاميين للانتخابات الرئاسية هو موقف يعبر عن تبني هذا التيار لكل ما يطرحه ويطالب به الحراك الشعبي في الجزائر".
إضافة إلى ذلك، أكد سعيدي أن "التيارات الإسلامية وقعت، هذه المرة، بين خيارين أحلاهما مر، واحد يتعلق بالسقف العالي لمطالب الحراك، أما الثاني فيخص ضغوطات المؤسسة العسكرية التي قررت إجراء الانتخابات الرئاسية في الآجال المحددة".
المصدر: أصوات مغاربية