في الوقت الذي يترقب الجميع الكشف عن نتائج التعديل الحكومي الذي أمر به الملك قبل فترة، أعلن المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، مساء أمس الثلاثاء، مغادرة الحكومة بسبب ما وصفه بـ"الوضع غير السوي للأغلبية الحالية".
بالنسبة للعديد من المحللين السياسيين فإن هذا القرار ليس مفاجئا، بل إن العديد منهم يطرحون مجموعة من الأسباب الأخرى التي أدت إليه بعيدا عما تطرق إليه بلاغ الحزب، على رأسها الحصة التي توقع كثيرون أن ينالها من الحقائب الوزارية بعد التعديل الحكومي، والتي لا تتجاوز حقيبة واحدة.
من جهة أخرى، ورغم أن متتبعين يرون أن هذا الخروج لن يكون له أي تأثير على الأغلبية الحكومية من الناحية العددية، إلا أنهم يؤكدون في الوقت نفسه أنه سيكون له أثر كبير من الناحية السياسية على مستقبله في أفق انتخابات 2021، وعلى حزب العدالة والتنمية خلال العمر المتبقي للحكومة الحالية.
قرار غير مفاجئ
بالنسبة للأستاذ الجامعي والمحلل السياسي، عمر الشرقاوي، فإن قرار التقدم والاشتراكية "ليس مفاجئا" بل على العكس "كان متوقعا"، وذلك في ظل ما تعرض له في حكومة العثماني.
"سياسيا ظهر التقدم والاشتراكية خلال حكومة العثماني كحزب غير مرغوب فيه، كما تعرض للكثير من الضربات حتى من الحزب الذي يعتبر حليفا أولا له"، ومن بين ذلك "الخروج غير المشرف للوزيرة شرفات أفيلال" يقول الشرقاوي.
تبعا لذلك، يوضح المتحدث أنه "كان من المتوقع أن يقوم الحزب برد فعل"، ولو أنه "متأخر"، مشددا ضمن تصريحه لـ"أصوات مغاربية" على أن رد الفعل هذا "ليس مبنيا على مبررات مرتبطة باختلاف التقديرات السياسية أو بتناقض المرجعيات الفكرية والأيديولوجية" بل إنه "قرار ظرفي مبني على ما أسفرت عنه نتيجة المفاوضات بشأن التعديل الحكومي".
وحسب الشرقاوي فإن "التقدم والاشتراكية لم يكن له من خيار سوى الانسحاب" ذلك أنه "أدى فاتورة كبيرة من وزنه السياسي نتيجة ركوبه في سفينة الحكومة لمدة عشرين سنة، بدءا من اليسار مع اليوسفي، مرورا بالتقنوقراط مع جطو واليمين مع الفاسي وصولا إلى الإسلاميين مع ابن كيران والعثماني".
عزلة أكبر للبيجيدي
هل سيؤثر هذا الانسحاب على التحالف الحكومي؟، الشرقاوي يجيب مؤكدا أنه "من الناحية الكمية والعددية القرار لن يكون له أي تأثير" على اعتبار أن "الأغلبية الحكومية اليوم تتكون من أزيد من 240 برلمانيا في حين أن النصاب المطلوب هو 198 برلمانيا" وبالتالي "فخروج 12 برلمانيا لن يؤثر عدديا على التحالف".
ولكن في المقابل هذا القرار "سيكون له من دون شك تأثير من الناحية السياسية" حسب ما يوضح المتحدث الذي يبرز أن "التأثير الأول سيكون على العدالة والتنمية لأن الانسحاب سيزيد من عزلته" على اعتبار أن "الحزب الذي كان أقرب للبيجيدي هو التقدم والاشتراكية" وبالتالي فإن انسحابه "سيضع البيجيدي في مواجهة أربعة أحزاب لا تكن له الكثير من الود" بل سيجد نفسه "محاطا بخصوم داخل التحالف".
ولا يستبعد الشرقاوي أن يكون لهذا الأمر أثر حتى على البيت الداخلي للحزب المترئس للحكومة، حيث أن خروج حليفه السابق "سيطرح تساؤلات كبيرة حول جدوى بقائه في الحكومة وهو يعلم أنه سيتعرض خلال السنتين المقبلتين لخسائر كبيرة وسيفقد الكثير مما تبقى من رصيده السياسي" بحسب تعبيره.
وإذا كان حزب العدالة والتنمية (البيجيدي) هو "الخاسر الأكبر" من هذا القرار فإن "الرابح الأكبر" وفق المتحدث هي "ضفة المعارضة" التي "ستتعزز بحزب له تقاليد كبيرة في المعارضة والذي بالرغم من حجمه الصغير إلا أنه قد يخلق بعض الإزعاج للحكومة".
هدية من ذهب
بدوره يرى الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي، عبد الرحيم العلام أن قرار "PPS" مغادرة الحكومة ليس "مفاجئا" بل كان متوقعا ومنتظرا.
البوادر على ما يبدو ظهرت مع وصول العثماني إلى رئاسة الحكومة، ما أحدث تغييرا على مستوى العلاقة التي تجمع "حزب الكتاب بحزب المصباح".
وبعدما كان كثيرون يتحدثون عن تحالف بين الحزبين كثيرا ما كان يثير الاستغراب بالنظر إلى اختلاف مرجعيتهما، يؤكد العلام أنه في ظل حكومة العثماني "لم يعد هناك تحالف بين العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية".
من جهة أخرى، ورغم أنه لا يتوقع تأثر الأغلبية الحكومية بشكل عام من خروج التقدم والاشتراكية، لا يستبعد العلام ضمن تصريحه لـ"أصوات مغاربية" تأثر "البيجيدي" من القرار، لأن انسحاب "PPS"، "سيحرمه من شريك كان يعطيه نوعا من المشروعية السياسية على اعتبار أن الأمر كان يتعلق بتحالف بين حزب إسلامي وآخر تقدمي" بحسب تعبيره.
وفي الوقت الذي يرى البعض أن الـPPS كان مضطرا لاتخاذ قرار الانسحاب الآن، فإن العلام خلافا لذلك، يرى أن التقدم والاشتراكية "كان يتمنى مغادرة الحكومة منذ فترة طويلة"، وذلك بعد الإقالات التي طالت عددا من وزرائه، مردفا أنه الآن فقط حظي بـ"هدية من ذهب" مكنته من فرصة تحقيق ذلك الأمر.
ومما يلفت إليه العلام وهو يتحدث عن توقع قرار مماثل من هذا الحزب، أن PPS "يعتبر الوحيد من بين الأحزاب المشاركة في اللعبة السياسية الذي امتلك القدرة على التعبير عن مواقف يمكن أن توصف بالشجاعة والتي جابه من خلالها أحيانا السلطات العليا" وفق تعبيره.
اغتنام التصويت العقابي
التقدم والاشتراكية الحاضر حاليا بوزيرين في الحكومة، والذين يتوقع كثيرون أن يتقلصا إلى وزير واحد فقط في إطار التعديل الحكومي، "لم يعد لديه الكثير ليخسره" بحسب العلام.
تبعا لذلك فإن انسحابه قد يكون مفيدا له أكثر من الاستمرار في حكومة "ليست لديها شعبية" خلافا لـ"الحكومة السابقة التي كان يرأسها ابن كيران التي كانت لها شعبية كبيرة".
فوفقا للمتحدث، فإن مغادرة PPS الحكومة اليوم قد يفيده مستقبلا وتحديدا في الانتخابات التشريعية المرتقبة عام 2021، وذلك في ظل الموقف الشعبي من الحكومة الحالية.
"بقراره هذا هو يرغب ربما في الاستفادة من وضع المعارضة وتوظيف الغضب الشعبي ضد الحكومة لصالحه" يقول العلام الذي يشير إلى أن "العديد من الأشخاص يرغبون في سلك التصويت العقابي ضد الحكومة، غير أنهم ربما لا يجدون حزبا بديلا".
تبعا لذلك، يتوقع العلام أن "التقدم والاشتراكية يرغب في الاستفادة من التصويت العقابي واغتنام ما تبقى من عمر الحكومة ليكون ضمن صفوف المعارضة"، متوقعا أيضا أن "ترى بعض الفئات قراره مغادرة الحكومة نوعا من الشجاعة التي قد تكافئه عليها في الانتخابات المقبلة".
- المصدر: أصوات مغاربية