في سياق النقاش الدائر في المغرب منذ فترة بشأن تعديلات القانون الجنائي جدد العديد من النشطاء الحقوقيين المطالبة بإلغاء عدد من الفصول القانونية، وذلك خلال مائدة مستديرة نظمتها فيدرالية رابطة حقوق النساء، أمس الاثنين، تحت عنوان "من أجل منظومة جنائية تكرس الحقوق والحريات وتلغي كل أشكال التمييز ضد النساء".
ودافع عدد من المشاركين في اللقاء عن إلغاء عدد من الفصول الماسة، وفقهم، بالحريات الفردية، من بينها الفصول التي تجرم العلاقات الجنسية الرضائية بين البالغين خارج إطار الزواج، والإجهاض.
الحريات الفردية..أولوية
في الوقت الذي يعتبر البعض أن الدفاع عن الحريات الفردية نوع من "الترف"، فإن العديد من الحقوقيين يؤكدون أن الأمر يتعلق بقضية مهمة وأولوية.
"معركة الحريات الفردية ليست معركة نخبوية" تقول الناشطة الحقوقية كريمة نادر التي تطرقت ضمن مداخلة لها إلى الدينامية التي أُطلقت قبل أيام قليلة تحت شعار "خارجون عن القانون" والتي انخرط فيها العديد من الحقوقيين والإعلاميين والمثقفين.
الدينامية والمبادرة المذكورة تأتي تتويجا لنقاش بدأ قبل سنوات، وذلك للتعبير عن "إدانة الفصول التي تشكل انتهاكات فاضحة وواضحة للحميمية ولحرية الجسد سواء بالنسبة للنساء أو للرجال" تقول نادر.
وبحسب المتحدثة فإن الفصول المعنية "تكرس الفوارق الطبقية والتمييز بين النساء والرجال"، مشيرة في السياق إلى أن المتضررين من تلك الفصول هم شبان وشابات الفئات الاجتماعية الضعيفة، كون "الفئات التي تتوفر على الإمكانيات لا تجد نفسها عرضة للاعتقال والمحاكمة في أي وقت" بحسب تعبيرها.
من جهة أخرى وردا على من يعتبر أن الفصول المذكورة مستنبطة من الشرع، أوضحت نادر أن "القانون الجنائي المغربي مستنسخ عن القانون الذي وضعه نابليون في القرن التاسع عشر والذي تجاوزته فرنسا في الستينات والسبعينات" لتردف متسائلة "كيف نقبل الآن أن تحكمنا قوانين المستعمر؟".
قانون "مناقض" للدستور
الناشط الحقوقي والباحث الأكاديمي، أحمد عصيد، شدد في تعليق له بشأن التعديلات المقترحة بخصوص القانون الجنائي، على ضرورة استحضار ثلاث نقط رئيسية.
أول أمر حسب المتحدث، يكمن في "الاعتراف بالمواطن الفرد"، مؤكدا أن الحال الآن هو أن "الفرد نذيبه في الجماعة وفي قيم الجماعة".
وفي السياق نفسه يبرز المتحدث أن المرأة بدورها لا ينظر إليها "كفرد مواطن" ولذلك فإن "جسد المرأة ليس ملكها بل إنه وسيلة لإنجاب الأطفال ولإشباع متعة الرجل".
النقطة الثانية تتمثل في مفهوم الحرية، ويوضح الباحث المغربي بهذا الخصوص أن "الناس يعتقدون أن الحرية تعني أنك حر في حدود تقاليد المجتمع، بينما المفهوم الحقيقي هو أنك حر طالما لا تتعدى على حرية غيرك".
أما ثالث نقطة ركز عليها عصيد في طرح فكرته بشأن تعديل القانون الجنائي، فتتعلق بـ"مكانة الدين في الدولة"، مبرزا أن "الدين يستعمل كذريعة لهدر الحقوق والحريات".
من جهة أخرى، تأسف عصيد لكون "عدد من المكتسبات التي جاء بها دستور 2011 لم تفعل"، من بينها "جملة من ذهب ناضلنا من أجلها وهي أن حقوق الإنسان كل غير قابل للتجزيء"، والتي أكد انطلاقا منها أن "القانون الجنائي مناقض للدستور".
3 مذاهب تبيح الإجهاض
الباحث في قضايا الإسلام السياسي، سعيد لكحل، من جانبه ركز في مداخلته على موضوع الإجهاض تحديدا، وانطلق من المعطيات الرقمية التي تتحدث عن وقوع ما بين 600 و800 حالة إجهاض يوميا في المغرب، ليردف مؤكدا أنه "إذا طبق القانون فذلك يعني 300 ألف حالة في السجن سنويا أي أنه بعد عشر سنوات سيكون ثلثي المغاربة في السجن".
وشدد المتحدث على ضرورة الانتباه إلى الظواهر والمخاطر المترتبة عن منع الإجهاض، من قبيل ظاهرة الأطفال المتخلى عنهم، مشيرا في السياق إلى دراسة قال إنها أنجزت في الولايات المتحدة الأميركية عام 1973 والتي "انطلقت من فرضية أن نسبة الإجرام ترتفع لدى الأطفال المتخلى عنهم والذين لم يكن آباءهم يرغبون فيهم".
ويتابع لكحل قائلا "إذا كنا نهتم بالجنين في بطن أمه فالأولى أن نهتم بالإنسان الحي الذي يتحرك فوق الأرض"، وهو يشير إلى ما يعانيه الشباب "الذي يموت في البحر" بحسب تعبيره.
من جهة أخرى، وعلاقة بالمنظور الديني لهذه القضية، يقول لكحل "لدينا أربعة مذاهب ثلاثة منها تتفق على الإجهاض، والمالكي فيه رأيان أحدهما يبيح والآخر يحرم".
"إذا كان ثلاثة أئمة يبيحون الإجهاض" يقول لكحل "فلماذا لا نأخذ برأيهم كما أخذنا برأي المذهب الحنفي في ولاية المرأة على نفسها في تعديل المدونة؟".
المصدر: أصوات مغاربية