خارج أسوار كليات القانون والحقوق، لم يكن قيس سعيد، إلى غاية 2011، معروفا لدى التونسيين، وانحصرت شهرته بين طلاّب الجامعات.
يوم 15 من سبتمبر لم يكن يوما عاديا في حياة الرجل وأنصاره، فقد فنّد جميع التوقعات وأعلن نفسه حصانا أسود لهذا السباق ومراهنا جديا على الرئاسة في تونس.
وأمس الأحد، 13 أكتوبر، أكد سعيد المفاجأة متقدما في الدور الثاني للرئاسيات على منافسه، نبيل القروي، بفارق كبير.
مسيرة قانونية
في 22 فبراير 1958 ولد قيس سعيد بتونس. وبدأت مسيرته بالحصول على شهادة الدراسات المعمقة في القانون الدولي العام من كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس.
بدأ قيس سعيد مسيرته المهنية في 1986 مدرسا بكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية بمدينة سوسة (شرق)، قبل أن ينتقل في 1999 للتدريس بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس العاصمة.
تقلد سعيد عدة مناصب أثناء حياته المهنية، إذ تولى بين عامي 1989 و1990 مهام مقرر اللجنتين الخاصتين لدى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية لإعداد لتعديل مشروع ميثاق الجامعة، ومشروع النظام الأساسي لمحكمة العدل العربية.
كما اشتغل خبيرا متعاونا مع المعهد العربي لحقوق الإنسان من 1993 إلى 1995.
لغة الضاد
شد سعيد انتباه التونسيين مباشرة بعد سقوط نظام الرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي، عبر حديثه بلسان عربي فصيح ولغة قانونية خصبة.
يتكلم سعيد بعربية سلسة، نجح من خلالها في شد انتباه التونسيين بمختلف المستويات التعليمية.
تشبث سعيد باللغة العربية في حواراته وأحاديثه اليومية مع المواطنين، ويعود ذلك وفق تصريحات سابقة له إلى عشقه للغة العربية، التي يقول إنها "لغة موسيقية".
يضيف: "بيني وبينها قصة عشق طويلة بدأت منذ السنوات الدراسية الابتدائية رغم أنني درست باللغة الفرنسية وأدرس بها اليوم في الجامعة أيضا، لكن أعتز بلغة الضاد كثيرا، فلها سحر ووقع في الأذن لا تجده في اللغات الأخرى".
ضربة للأحزاب
الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، أنهت حسب مراقبين، "أسطورة الأحزاب".
فسعيّد الذي تضعه النتائج الجزئية في الصدارة بالدور الأوّل لا يقف وراء آلة حزبية ضخمة، ولم يطلب دعم أي من القوى السياسية التي سيطرت على المشهد بعد 2011.
يقول سعيد في أحد حواراته الصحافية: "انتهى عهد الأحزاب، الشعب صار ينتظم بطريقة جديدة.. انظروا ماذا يحدث في فرنسا بالسترات الصفراء وفي الجزائر والسودان.. الأحزاب مآلها الاندثار، مرحلة وانتهت في التاريخ".
وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي مختار الدبابي إن "الأحزاب التقليدية تتراجع في العالم، وليس في تونس فقط تحت مفعول التغيرات الكبرى، وفوز سعيد والقروي هو استنساخ لتجارب حدثت في بريطانيا وإيطاليا، ونعني هنا صعود الشعبوية كظاهرة عالمية".
ويضيف: "الأحزاب التونسية عجزت عن تقديم مضامين جديدة تقدر من خلالها على استقطاب الشباب الذي كان له دور كبير في فوز سعيد، وترضية المناطق الداخلية الفقيرة التي عاقبتها باختيار القروي".
معادي للأيديولوجيا
لم يسبق لقيس سعيد أن تبنى أيديولوجيا بعينها، ففي النظام السابق لم يصدح بمواقف تساند "ضحايا النظام" من الإسلاميين واليساريين، كما لم يعاديهم.
وينطبق الأمر نفسه على فترة ما بعد 14 يناير التي حملت معها آفاقا جديدة للحريات السياسية، إذ لم يتخذ الرجل مواقف تنم عن تبنيه لأيديولوجيا معينة، رغم الاستقطاب الكبير بين مختلف العائلات السياسية في الأعوام الأخيرة.
يقول عن هذا الموقف في إحدى حواراته الصحافية: "نحن اليوم بحاجة إلى مفاهيم جديدة مختلفة عن ثنائية اليسار واليمين، وأيديولوجيا اليوم هي إرادة الشعب".
ويرى المحلل السياسي الأمين البوعزيزي أن قيس سعيد "فَقِيه دستوري ورجل قريب جدا من قوى الثورة، وأحد التعبيرات أشواق شباب الثورة"، مشيرا إلى أن "الرجل ينتمي لليسار الاجتماعي غير المؤدلج".
ويصف البوعزيزي سعيد بـ"الرجل الطاهر" الذي لم ينخرط في الممارسة السياسية، وظلت صورته بعيدة عن لعبة كواليس الإعلام التي تؤثر عن خيارات الناخبين.
البوعزيزي أشار أيضا في حديثه عن خطاب قيس سعيد أنه "يعبر عن إرادة شباب الثورة الذي خذتله الطبقة السياسية منذ ثورة 2011".
المصدر: أصوات مغاربية