نهلة: لحقت بزوجي إلى عش الدبابير!
اسمي: نهلة
جنسيتي: مصرية
عمري: 27 سنة
مستواي التعليمي: أمية
لحقت بزوجي من مكان إلى آخر. كان قد هرب من مصر باتجاه السودان خوفا من القبض عليه من قوات أمن الدولة. تبِعته هناك وتفاجأت بدخوله إلى ليبيا، وصعقت عندما شاهدته يحمل سلاحا ضد الليبيين.
ولدت لأبوين مصريين في منطقة منشية أبوعمر، في مركز الحسينية. لدي سبعة إخوة أشقاء وخمسة شقيقات أحببت الحياة رغم بساطة معيشتي.
الحياة قبل الكارثة
ترعرعت في محافظة الشرقية إلى أن اشتد عودي، لكنني حرمت من التعليم منذ صغري واتجه بي أهلي إلى مهنة الفلاحة، حيث أمضيت جل وقتي في المزارع وبين الخضار والفواكه وما تزرعه عائلتي.
عندما وصل عمري إلى 17 سنة، زوجني أهلي عام 2007 من شاب يدعى محمد، هو أيضا لم يدرس قط. كان مطلقا ويعمل فلاحا بأجر يومي، وبعد زواجنا بفترة بدأ يعمل في محل لبيع الأسماك.
عشت حياة بسيطة مع زوجي، ككل المزارعين والفلاحين، ولم ألاحظ على زوجي وعائلته أي تشدد، ما عدا أن والده سُجن بسبب عدم سداده قرض سيارة، لكننا في ذات الوقت كنا نعيش كعائلة واحدة مع أخواته وإخوته.
أحد رجلي زوجي محمد مشلولة بسبب إصابته قديما في الفقرة الرابعة بالعمود الفقري. تأقلمت مع وضعه الصحي وبعد سنة أنجبت منه طفلين، في 2011 و 2013.
بعد أحداث "رابعة العدوية"، حضر إلينا أمن الدولة المصري وسأل عن زوجي، وفي تلك الفترة ظل زوجي يمكث في المزرعة باليومين والثلاثة، ويرجع بعد إتمام عمله، وعندما رجع للبيت أخبرته بقدوم أمن الدولة فقرر بعد أسبوع عدم الرجوع للبيت مجددا.
سألت زوجي محمد عن سبب قراره في عدم الرجوع إلى البيت، فأخبرني أن الأمن المصري قبض على جميع من يعمل بمحل بيع السمك الذي يملكه المدعو مسعود، في عزبة طارق. السبب الرئيسي هو مناصرة زوجي لـ"الإخوان".
بعد حوالي خمسة أشهر، اتصل بي زوجي وسألته عن المكان الذي ظل يقيم فيه طوال هذه المدة، ولم يخبرني، ومنذ ذلك الاتصال، انقطعت أخباره إلى أن اتصل بي من السودان، وأخبرني أنه كان، في الفترة الماضية، مختبأً في المزارع، ولن يعود إلى مصر مجددا، وفي ذلك الوقت أنجبت طفلتي سمر.
في يناير 2016، اتصل بي زوجي وطلب مني الحضور إليه في السودان، دون أن أخبر أي شخص بذلك، بمن فيهم والده، وخرجت من المنزل، دون أن يعلم أحد، إلى محطة الحسينية، ومنها إلى القاهرة.
وهناك، أبلغني زوجي أنه سيقوم شخص موجود في المحطة بالاتصال بي وكلمة السر بيننا أنه سيقول لي "ازيك يا إيمان.. وأرد عليه باهي"، وفعلا هذا ما حدث؛ جاءني رجل مصري يدعى نور ووجدت معه زوجته المدعوة آلاء.
طريق المجهول
ومن القاهرة ركبنا جميعا بالقطار إلى أسوان، ومعي أبنائي الأربعة ونور وزوجته وابنه عمار، إلى أن وصلنا نقطة التهريب في أسوان، وانطلقنا مباشرة إلى الحدود السودانية واستمرت رحلتنا إلى أن وصلنا في حافلة النقل الجماعي إلى الخرطوم.
في بداية رحلتي من بيتي إلى القاهرة، كنت أنا من أقوم بالصرف، لأنه كان معي مبلغ وقدره 1850 جنيه مصري، وعندما وصلت محطة قطار القاهرة سلمت المبلغ إلى المدعو نور، والذي بدوره سلمه إلى عبد الرحمن، المسؤول عن الشقة في الخرطوم من أجل الصرف علينا وتلبية حاجياتنا.
نزلنا، عند وصولنا إلى الخرطوم، بشقة عبد الرحمن، ووجدنا بها أم لينا السودانية، ومكثنا عندها ثلاثة أيام إلى أن سافرت أم لينا وآلاء إلى ليبيا، واستمرت إقامتي في هذه الشقة، إلى أن حضرت شقيقة زوجي شيماء وصباح المصرية، وبعد يومين انتقلت إلى شقة أخرى.
كنت أتواصل مع زوجي عبر "التيلغرام"، وأفعل ما يطلبه مني حرفيا عبر الرسائل الصوتية، لأنني لا أعرف الكتابة، إضافة إلى تواصله مع أم محمد السودانية لأنها تعرف تكتب، وهي تبلغني بما يقوله زوجي.
بعد كل فترة، تأتي مجموعة مصرية وتذهب مجموعة أخرى إلى ليبيا، وبعدة مدة جاء أخي محمد، كونه أيضا من مناصري "الإخوان" في مصر. انتظرنا حتى جاء دورنا في الدخول إلى الأراضي الليبية عبر التهريب، عندها سألت أخي عما إذا كان سيذهب معنا، فأجابني لأنه لا يعرف.
بعد بقائنا في السودان حوالي ثلاثة أشهر ونصف، جاءنا عبد الرحمن السوداني وطلب منا الاستعداد للسفر إلى ليبيا، وفي اليوم التالي استلمنا مهربون واتجهنا إلى الحدود في رحلة استمرت أربعة أيام وفي الصحراء استقبلتنا سيارات صحراوية تتبع داعش دخلت بنا إلى ليبيا.
يرافقني في هذه الرحلة أبنائي الأربعة وشيماء المصرية وأبناؤها محمد وأنس وشفاء وأشجان المصرية وأبناؤها ولاء وإيمان ودعاء، وهي طفلة ماتت لاحقا بسبب لدغة عقرب، وسماح المصرية وأبناؤها، وصباح وأبناؤها، وليلى الأفريقية التي كانت تجيد اللغة الإنجليزية.
فراق بعد لقاء مُر
وصلنا إلى سرت الليبية في شهر ماي 2015 وتقابلت مع زوجي الذي كان يعمل حارسا في مضافات النساء، بسبب إعاقته في الرجل، وظل في هذا العمل وعشت معه في داخل سرت أعتني به وبأولادي.
بعد شهر ونصف من دخولنا إلى ليبيا، سألت زوجي عن شقيقي محمد فقال لي إنه ذهب إلى الشام، أما زوجته فيه موجودة في مصر ولديها أربعة أطفال.
سكنت في حي 600 في سرت، وكنت أحضر بعض دروس داعش التي تعطيها أم أنس وأم علي. لم يكن لدي علم في البداية بانضمام زوجي إلى داعش إلا حينما وصلت سرت ووجدت لديه سلاح كلاشنكوف.
سألت زوجي عن الشخص الذي أقنعه بفكر داعش، فرد علي أن ابن عمه المكنى باسم وليد، هو السبب في ذلك. هركت ابن عمه لأنه أودى بنا إلى أحضان أفكار متشددة بين أحضان الإرهابيين.
نهاية مأساوية
بدأت الحرب ضد داعش في سرت، وعند حصار المدينة من قوات حكومة الوفاق الوطني، بدأنا في الانتقال من مضافة إلى أخرى، حسب أماكن الاشتباكات وتوجيه قادة داعش.
في أحد الأيام شهر أغسطس 2016، علمت بمقتل زوجي، محمد أمام مضافة النساء برمانة. لم أشاهده حتى عندما دفن، ومنذ ذلك الوقت فقدت الأمل في الحياة لأنني جئت لسرت من أجل زوجي، رغم أنني كنت أظنه لم يغادر السودان وتفاجأت بانضمامه لداعش في ليبيا.
استقر بنا الأمر في منطقة الجيزة البحرية، آخر معاقل داعش، فقررت تسليم نفسي ومعي أطفالي الأربعة، وأنا الآن في السجن أنتظر مصيري المجهول مع أبنائي الصغار.
تحقيق خاص لـ"أصوات مغاربية"