body placeholder

طفل تونسي: هكذا رمى بي والدي في حرب داعش!

الطفل سيف: بسبب داعش.. خسرت رِجلي ووالدي

اسمي: سيف.ق

جنسيتي: تونسي

من مواليد: 2003

المؤهل العلمي: الرابعة ابتدائي 

بسبب "داعش" صرت أمشي بعكازين، حياة لم أكن متعودا عليها، لكنني تقبلتها مع مرور الوقت، بعدما نجوت من الموت بأعجوبة، خلال معركة كنت فيها مُجنّدا في هذا التنظيم الإرهابي.

---------------------------

ماجناه علينا أبي

اسمي سيف الله، ولدت في ولاية بنزرت في تونس عام 2003، وترعرعت في نهج دقة بمنزل بورقيبة مع والدي ووالدتي وشقيقتي الصغيرة. درست المرحلة الابتدائية في مدرسة النجاح بمنزل بورقيبة، وفي السنة الرابعة منعني والدي رفقة شقيقتي نورهان من مواصلة الدراسة، وكانت نورهان قد درست سنتين فقط.

لم يكن والدي عبد الرؤوف متشددا، فلقد كانت حياته عادية جدا. تزوج من أمي عام 2001، كان يعمل في مطعم للوجبات السريعة وأحيانا يصطاد السمك، يحب البحر ولديه عُدّة صيد، لكنه كان لا يصلي ويشرب الخمر ويدخن السجائر.

فجأة تغيرت حياته بسبب أصدقاء كانوا يترددون عليه بشكل يومي، منهم أنور، إمام مسجد النور بحي العريش، وكريم إمام مسجد في حي الأقبال ومحمد المقيم بولاية بنزرت ويعمل في ورشة حدادة وغيرهم. بسبب أصدقائه صار والدي يعاقبني إذا لم أذهب إلى الصلاة في مسجد النور بمنطقة قنقلة قرب معسكر للجيش التونسي، كما بات يمنعني من مشاهدة التلفاز فيما لم تكن أمي راضية عن تصرفاته، وقد حدثت مشاكل بينهما باستمرار.

في بداية سنة 2014 استخرج لنا والدي جوازات سفر، وقرر السفر بنا إلى ليبيا للعمل والإقامة، كما قال. ذات يوم جهزنا أنفسنا وأمتعتنا، وأعطى والدي مبلغا من المال لصديقه محمد ليوصلنا إلى الحدود الليبية التونسية أنا وأمي وشقيقتي.

إلى صبراتة

سافرنا ليلا عن طريق البر حتى وصلنا بن قردان، وفي الصباح ركبنا تاكسي ودخلنا معبر رأس جدير ثم دخلنا إلى الأراضي الليبية حتى وصلنا إلى مدينة صبراتة الساحلية. في صبراتة استقبلنا شخص ملتحٍى لا أذكر اسمه، أوصلنا إلى منزل بقينا فيه خمس ساعات حتى جاءنا شخص آخر يدعى أحمد.ر، كنيته أبو زكريا، نَقلنا إلى السوق لشراء المواد الغذائية والخضروات، ثم تركنا في بيت مع عائلة حسان التونسي، بقينا معهم حوالي شهر إلى أن سافروا.

خلال هذه الفترة بدأ والدي العمل في طاحونة أعلاف حيوانات لمدة ثمانية أشهر. كنت دائم التجول في السوق مع والدتي فيما كان مجموعة من المتشددين يترددون على والدي، منهم تونسي يدعى عصام وينادونه "الأمير"، وشاب تونسي آخر يدعى إسماعيل.

ذات يوم في شهر ديسمبر من سنة 2014، حضر إلى بيتنا شاب من مدينة سرت يدعى عبد السلام في سيارته المرسيدس، ركبنا معه وسلك بنا طرقا أغلبها معبدة، وصلنا فجرا إلى جزيرة الزعفران في سرت، وهناك استقبلنا شخص ليبي يدعى فتحي ومعه تونسي يدعى سفيان.

نُقلنا إلى عمارة في الدور الثالث وبقينا فيها مدة شهر تقريبا، أتذكر أننا ذهبنا في ثاني أيام شهر رمضان، رفقة سفيان التونسي، إلى مقر "أنصار الشريعة"، وهناك سجلوا أسماءنا وبدأ والدي العمل معهم طباخا. كنت أساعد والدي في تقديم لوازم الطبخ مع شاب تونسي الجنسية تعرفت عليه هناك يدعى أبو الغيداء، كان يحضر مع خاله. كنا نعمل ونتحدث سويا حتى صار صديقا لي، لكنه ما لبث أن غادر رفقة أمه إلى سورية.

ظهور داعش

كنت مع والدي في السوق ذات يوم في سنة 2015، فشاهدت رتلا من السيارات المسلحة تجوب مدينة سرت عليها رايات سوداء وأفراد ملثمون ينتمون لتنظيم "داعش"، سألت والدي فقال لي إن تنظيم الدولة أعلن عن نفسه في سرت. رجعنا إلى المنزل فوجدت غير الليبيين يهنئون بعضهم بخروج التنظيم إلى العلن، ذهبت إلى أمي وأخبرتها بما يحدث، وبعد حوالي أسبوع اندلعت معارك بين الكتيبة 166 وتنظيم "داعش" في سرت.

بعد سيطرة التنظيم على وسط ومداخل سرت بدأ الأفراد الوافدون على سرت يتزايدون، وشُكّلت الدّواوين ونصّب قادة التنظيم الإرهابي، وبعد أشهر حضر إلى سرت قادة داعش في درنة منهم والي تنظيم داعش في ليبيا أبومعاذ العراقي والقيادي السعودي أبو عامر الجزراوي وغيرهم.

كنت أرافق والدي إلى مكان عمله وألتقي بشباب تونسيين أحيانا، وفي شهر ماي 2016 بدأت الحرب بين تنظيم داعش وقوات البنيان المرصوص. حينها كنت أساعد والدي في طهي الطعام للجرحى بمستشفى ابن سينا، وبعد اشتداد المعارك انتقلنا إلى مضافة رحيل بالحي رقم "1".

احذروا داعش

بقيت مع أمي في المضافة، وهناك أنجبَت أخي محمد، بعدها انتقلنا إلى مضافة أخرى في الحي رقم "3"، عندها طلب مني والدي وأبوزيد التونسي وصلاح الليبي الالتحاق بجبهات القتال لكنني رفضت، وبعد أيام بلغوا عني قياديا ليبيا يدعى طمطم، فحضر إلى منزلنا وسلمني سلاح كلاشنكوف ومخازن ذخيرة فيما دربني أبو إسلام الليبي.

وضعوني في خط النار، وبقيت ثلاثة أيام هناك ثم هربت ورجعت للمنزل إلى أن جاء أبو أسامة الإرهابي ووضعني في السجن ليومين. نقلوني من جديد إلى جبهة القتال ليلا ووضعوني هذه المرة في محور حي الدولار، وفي الصباح تعرضت لإصابة نارية فنُقلت بسرعة مغمى علي إلى مستشفى ميداني بالحي رقم "3"، وعندما استيقظت وجدت رجلي اليسرى مبتورة.

كان المستشفى صغيرا يعج بالمصابين فنقلوني إلى منزلنا لكنني لم أتحمل الألم فنُقلت من جديد إلى المستشفى الميداني، وبعد أيام أحضر والدي سريرا طبيا إلى منزلنا فيما كان يتردد علي دكتور يدعى خلف اشقاق لعلاجي. بقيت على هذا الحال إلى أن ضاق الخناق علينا في الحي "3"، فانتقلنا إلى الجيزة البحرية واستمريت في تلقي العلاج، وبعد أيام وُضعت في مضافة، كنت أتحرك بعض الشيء، كما كنت أعبّئ الذخيرة لوالدي قبل خروجه لجبهات القتال.

ذات يوم علمت بمقتل والدي في الاشتباكات، فقلت لوالدتي يجب أن نسلم أنفسنا لقوات البنيان المرصوص مع أن الأمر صعب جدا، لأن أمير داعش أبوعامر الجزراوي أصدر أوامره لعناصر التنظيم بقتل كل من يحاول تسليم نفسه.

اشتد الخناق علينا ولم يبق لنا في آخر الأيام طعام ولا شراب، فبقينا في المضافة مع نسوة داعش، إلى أن باغتتنا القوات الليبية.. حينها سلّمنا أنفسنا. لقد وجدت نفسي بين يدي تنظيم إرهابي ظلم الناس وقتلهم بل وعاقب بالقتل الذين انضموا إليه بمجرّد اختلافهم معه، وأنا اليوم أحذر الناس من هذه التنظيمات المتشددة.

تحقيق خاص لـ"أصوات مغاربية"