- يعتبر رشيد اليزمي أحد أشهر علماء الكيمياء الكهربائية في العالم، حائز على العديد من الجوائز والتكريمات، كما أنه مخترع "أنود الغرافيت" المستخدم في بطاريات الليثيوم التي تستعمل في الهواتف النقالة والحواسيب في أنحاء العالم. من المغرب وتحديدا مدينة فاس، مسقط رأسه، مرورا بفرنسا واليابان ثم الولايات المتحدة الأميركية وصولا إلى سنغافورة، سطر اليزمي مشوارا دراسيا ومهنيا متميزا تخلله تسجيل عشرات براءات الاختراع. في هذا الحوار مع "أصوات مغاربية" يكشف لنا اليزمي تفاصيل أحدث اختراع توصل إليه والذي يتعلق بتقنية متطورة لشحن بطاريات السيارات الكهربائية في وقت قياسي.
إليكم نص المقابلة:
أعلنتم مؤخرا عن تمكنكم من التوصل إلى تقنية لشحن بطاريات السيارات الكهربائية في زمن يعتبر قياسيا، هل يمكن أن تكشف لنا بعض المعطيات بشأن هذا الاختراع؟
التقنية التي كانت وما تزال تستعمل لشحن بطاريات الليثيوم والتي تسمى بـ"constant current voltage" تتطلب وقتا طويلا قد يمتد لعدة ساعات.
طبعا في حال كان لدينا وقت كافي فإن الأمر لا يطرح أي مشكل، ولكن إذا أردنا القيام بالشحن في وقت قصير، ساعة أو أقل، فإن تلك الطريقة تصبح محفوفة بالمخاطر بحيث قد تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة البطارية وانفجارها.
اليوم، لا تتوفر أية طريقة تسمح بشحن بطارية من 0% إلى 100% في أقل من ساعة مع الإبقاء على البطارية سليمة، وهذا الأمر يطرح إشكالا كبيرا خصوصا مع مجيء السيارة الكهربائية.
فالسيارة الكهربائية لا يمكن أن تسير لمسافة طويلة دون أن تحتاج إلى إعادة الشحن، وفي هذه الحالة إذا كان الوقت الذي يتطلبه الشحن يمتد لعدة ساعات خلافا للدقائق القليلة التي تتطلبها تعبئة خزان السيارة التي تعمل بالبنزين، فإن الأمر يطرح إشكالا.
انطلاقا من ذلك فكرت في إيجاد تكنولوجيا جديدة تمكننا من توفير الوقت وشحن البطارية في أقل من ساعة، ثم أقل من نصف ساعة، حتى وصلت إلى عشرين دقيقة، وهي مدة تعتبر أسرع بثلاث مرات من أحسن ما هو متوفر في العالم الآن.
التكنولوجيا الجديدة تتيح الشحن السريع مع الحفاظ على سلامة البطارية، وقد اعتمدت فيها على إعطاء الأولوية للجهد الكهربائي (Voltage) بدل إعطاء الأولوية للتيار الكهربائي.
وما يسري هنا على بطارية الهواتف النقالة يسري أيضا على بطارية السيارات الكهربائية؟
نعم نفس الشيء، الأمر شبيه إلى حد ما بمقارنة سيارة صغيرة بسيارة كبيرة، البنزين الذي تستعملانه نفسه، فقط الخزان الذي يختلف، وكذلك بطارية الهاتف وبطارية السيارة كلاهما لديهما نفس المواد ونفس الكيمياء.
وعلاقة بالسيارات الكهربائية فإن هذه التقنية الجديدة ستؤدي إلى زيادة الإقبال عليها لأن الناس لن يجدوا أي مشكل في التوقف لشحن بطاريتهم خلال عشرين دقيقة، خلافا لما هو الحال حين يتطلب شحنها ساعات.
عرضتم جلب هذه التقنية إلى المغرب وعبرتم عن رغبتكم في أن يستفيد منها، هل توصلتم بأية ردود على عرضكم هذا؟
الموضوع ككل، سواء الإعلان عن التقنية أو العرض لم يمر عليهما سوى أيام قليلة، الأمر تم تحديدا يوم الثلاثاء الماضي أثناء مشاركتي في محاضرة رقمية، حيث قلت في نهاية مداخلتي إننا نتوفر على تكنولوجيا جديدة لشحن البطاريات اختبرتها في سنغافورة وقمنا بعدة تجارب أثبتت فعاليتها.
الموضوع كما قلت لم يمر عليه وقت طويل، ولكن مع ذلك ومنذ إعلان الخبر، منتصف الأسبوع الجاري، توصلت بكثير من الأصداء الإيجابية، بحيث اتصل بي عدة أشخاص يسألون عن التقنية ويعرضون الاستثمار فيها... سننتظر ونرى ما سيحدث خلال الأسابيع المقبلة.
من جهة أخرى، وعلاقة بما قلته عن رغبتي في استفادة المغرب من هذه التكنولوجيا، فهو ليس بالأمر الجديد، إذ منذ غادرت المغرب قبل سنوات وأنا أقول إذا كان للمغرب غرض بي فأنا مستعد.
ما هي الفوائد التي ستعود على المغرب في حال تبنى واستثمر في هذه التقنية؟
الأمر أشبه باختراع سيارة تسير ثلاث مرات أسرع من أي سيارة في العالم.
اليوم كثيرون يواجهون مشكل نفاذ البطارية وعدم توفر الوقت اللازم لشحنها، لذلك فإن تقنية الشحن السريع مطلوبة جدا، وسوق السيارات الكهربائية ستكون أكبر مستفيد منها.
مصنعي السيارات الكهربائية سيرغبون في هذه التكنولوجيا، وسيكون أمرا مهما جدا أن نصل إلى تصدير اختراع مغربي في العالم ككل.
أشير في هذا السياق كمثال، إلى أنه خلال العام الماضي فقط تم تصنيع عشرة ملايير بطارية ليثيوم تتضمن الاختراع الذي توصلت إليه في عام 1980.
حين توصلت إلى ذلك الاختراع "أنود الغرافيت" (l'anode graphite) لم أكن أتصور أنه سيصل إلى هذه الدرجة، ولكنه شيئا فشيئا أصبح على ما هو عليه الآن بحيث الكل يستعمله في العالم.
بالحديث عن رغبتكم في استفادة المغرب من التقنية التي توصلتم إليها مؤخرا، وأيضا بحديث كثيرين عن ضرورة الاهتمام بالبحث العلمي بعد الأزمة الصحية التي يمر منها العالم، كيف ترون حال البحث العلمي في المغرب؟
صحيح أن الناس بدؤوا ينتبهون شيئا فشيئا إلى أهمية البحث العلمي، ولكن البحث العلمي لا ينشأ بين عشية وضحاها، بل تلزمه عقود من العمل المتواصل، كما أن صناعة العالم لا تتم هكذا بل إن الأمر يتطلب كثيرا من الشروط والظروف الملائمة للابتكار.
المغرب في فترة معينة كان قطبا في مجال العلوم وكان الناس يهتمون بالعلم ويشجعون العلماء، ولكن للأسف في المرحلة التي تلت الاستقلال تم إهمال البحث العلمي.
من بين نتائج إهمال البحث العلمي أنه اليوم يتم اللجوء إلى استيراد التكنولوجيا من البلدان التي تستثمر في البحث والابتكار وطبعا بكلفة عالية جدا.
لذلك أتمنى أن يستوعب الجميع أهمية التعليم والبحث العلمي وأن يدركوا أنهما بمثابة "الأوكسجين" للإنسان وللبلد.
- المصدر: أصوات مغاربية