في هذه المقابلة، يكشف وزير الخزينة الأسبق، علي بن واري، تخوفه من دخول الجزائر في حرب أهلية بسبب ما سماها الفوضى الناتجة عن فشل النظام الجزائري في إيجاد حلول للأزمة التي تعانيها البلاد، وفق قوله.
ويُحمل بن واري مسؤولية ما يجري في الجزائر لمؤسسة الجيش، مشيرا إلى أن التغيير الذي مسّ رأس جهاز المخابرات لا يعني أن السلطة أصبحت مدنية.
نص المقابلة:
تمر البلاد بأزمة اقتصادية باعتراف الحكومة نفسها، ما أسباب هذه الأزمة في تقديرك؟
لا توجد آفاق، لأن الشعب لا يعرف إلى أين نحن ذاهبون، وفقد الأمل لأنه لاحظ كل ما وعدت به السلطة بعد 19 سنة لم يتحقق، رغم الأموال الرهيبة التي كانت تتوفر عليها البلاد، والمقدرة بأكثر من 900 مليار دولار.
لاحظ الشعب الأموال ضاعت دون أي نتيجة، وأن برنامج بوتفليقة الذي عرضه سنة 1999 لم يتحقق، بل بالعكس، سمع مسؤولين كبارا، على غرار أويحي، في أكثر من مناسبة، يصرحون بأنهم فشلوا في كل الميادين.
لما رئيس الحكومة يخاطب الشعب ويقر بالفشل، كيف للشعب أن يصدق برنامج رئيس الحكومة أو يسترجع الثقة في السلطة؟
الشعب بات يتساءل في من يثق ومع من يسير وما هو الحل، وعليه أصبحت هنالك فوضى، وهذه الفوضى ستشتد مستقبلا.
يُفهم من كلامك احتمال رجوع الاحتجاجات المطالبة بالتغيير والثورة في حال استمرت الأزمة؟
الثورة تعني تغيير نظام بنظام جديد، لكن ما نعيشه ليس بثورة وإنما فوضى، ونخاف أن تنتشر هذه الفوضى وتعّم كل القطاعات والبلد.
وقد تؤدي بنا إلى ما هو أخطر مما عشناه في الماضي، وهذا سيؤدي بنا إلى حرب أهلية، مثلما عشناه في التسعينات أو مثلما يجري حاليا في سورية والعراق واليمن.
هذه الفوضى نتيجة أربع عهدات متتالية من طرف نظام عبد العزيز بوتفليقة.
هل الوضع يستدعي، برأيك، تدخل الجيش مثلما ينادي البعض إلى ذلك؟
تجربة الجزائريين مع دور الجيش كانت سيئة. كم من مرة انتظرنا من الجيش أن يصحح أخطاء السياسيين، لكن للأسف لا نمتلك جيشا مُسيسا، وكلما تدخل يزيد من الأزمة.
كل رؤساء الجزائر أتى بهم الجيش، وهو من أتى بعبد العزيز بوتفليقة وهو من يؤيده اليوم، إذن الجيش مسؤول عن ما يجري، لأنه ليس غائبا عما يحدث في السياسة، بل هو قلب السياسة.
وبالتالي، مسؤوليته مسؤولية تامة، ليس لدينا جيش على حدى وسلطة مدنية في جانب آخر، إنما حكم عسكري. وما نطالب به اليوم هو إبعاد الجيش عن السياسة.
على ذكر الجيش، ما رأيك في الطرح الذي يعتبر أن إبعاد الجنرال توفيق عن المخابرات سيفضي إلى عدم تدخل هذا الجهاز في السياسة؟
مهما كان دور المخابرات الجزائرية في توفير الأمن أو في دعم الحكام الذين مرّوا على الجزائر، فقد كانوا كلهم مدعمين من طرف المخابرات، والتغيير الذي طرأ على رأس المخابرات، لا يعني أن السلطة أصبحت مدنية.
النظام هو نظام ديكتاتوري، وما زال مدعما من طرف قوات الأمن والجهاز العسكري، والمخابرات ما هي إلا جزء من وزارة الدفاع.
من هذه الزاوية، لم أر أي تغيير، رغم تداول أسماء عديدة على الجهاز مثل قاصدي مرباح ولكحل عياض والجنرال توفيق.
وعليه، طبيعة النظام لا تتغير بتغيير قادة المخابرات.
يُتداول مؤخرا اسم اللواء عبد الغني هامل لخلافة بوتفليقة. في تقديرك، هل تخلف شخصية عسكرية الرئيس الحالي؟
إذا تحقق هذا المشروع، فهذا يعني أن النظام سيبقى كما هو ولا يتغير ولا يأتي بحلول للأزمة المتعددة، وهي أزمة أخلاقية وسياسية واجتماعية.
لما نتحدث عن هامل أو أي شخص لا يعرفه الجزائريون ولا يعرفون تفكيره ولم يقدم أي برنامج، كيف تريد أن ينتخبه الناس بدون تزوير؟ فإذا لم يكن هناك تزوير، فيصعب على أي شخص اليوم، في الوقت الذي تغيرت فيه الجزائر وأصبح الشعب واعيا، أن يحصل على أكثر من 1 في المئة.
ما هي في نظرك الحلول لفك الأزمة التي تعيشها البلاد؟
طموحنا، بعد 20 سنة، أن ننضم إلى مجموعة 20 دولة الأكثر ثراء في العالم، فضلا عن رؤية الإصلاحات الهيكلية، التي ينبغي أن نقوم بها، ومن جملة الإصلاحات إصلاح النظام السياسي، لأنه هو أرضية كل الإصلاحات الأخرى وهو بمثابة أم الإصلاحات.
بعدها، نقوم بإصلاحات اقتصادية جذرية، ترتكز على إصلاحات نقدية وجبائية، لأني أتصور أن قلب المشاكل الاقتصادية هو النظام الجبائي والنقدي غير المناسبين، مما يسمح بتهريب الأموال ويُفشل المستثمر ويفشي الفساد.
لهذا، أرى أن الإصلاحات النقدية والجبائية هي قلب الإصلاح الاقتصادي، وإذا قمنا بها سيسمح لنا بتمويل كل الإصلاحات الأخرى.
هل الأمر مقتصر على الإصلاحات السياسية والاقتصادية فقط؟
إذا سألنا الشعب عمّا يطالب به، سيقول لك: مناصب شغل وعدالة. الشعب عطشان للعدالة لأنها غائبة، ومعروف عن العدالة أنها تتماشى مع الديمقراطية.
فلهذا، البرنامج الذي جئت به يحتوي على فكرة انتخاب القضاة والولاة، أي انتخاب السلطة القضائية، وهذا تفكير جديد.
هل أنت مستعد للانضمام إلى الحكومة إذا عُرضت عليك المشاركة؟
لا يمكن لأي شخص، مهما كانت عبقريته وخبرته، أن يغير هذا النظام. المرض مرض سياسي واجتماعي وأخلاقي. وبالتالي، انضمامي لأي حكومة كانت لا يمكن أن يعطي أي نتيجة ايجابية، لأن طبيعة النظام هي التي ينبغي أن تتغير.
بعد تغيير النظام والدخول في مسار ديمقراطي وإعطاء الشعب حرية التعبير، في هذه الحالة سيظهر في صفوف الشعب جزائريون عباقرة وخبراء بالآلاف.
لدي ثقة في الشعب، وليس في الشخص مهما كانت خبرته وعبقريته، فالشخص ليس لديه أهمية كبيرة.
يجب أن تكون ثورة، والثورة هي التي تسمح للشعب بإبراز حلول على مستوى كل القطاعات، لأن لدينا تأخرا في كل المستويات، ومن أجل تداركه، يتعين على الشعب أن يتجند.
المصدر: أصوات مغاربية